[السارق من مال زوجته والعكس]
قال رحمه الله: [ولا يُقطع أحد من الزوجين بسرقته من مال الآخر].
إذا سرق الزوج من زوجته، أو سرقت الزوجة من مال زوجها، فهذا يأتي على صورتين: الصورة الأولى: أن يكون الأخذ من حرز.
الصورة الثانية: أن يكون من غير حرز.
فلو أن زوجة أخذت مالها ووضعته في صندوق وقفلت عليه، فجاء الزوج خفية وكسر الصندوق وأخذ المال الموجود فيه، فهذه سرقة؛ لأنها أخذ من الحرز، وتنطبق عليها شروط السرقة.
الصورة الثانية: أن يكون الأخذ من غير حرز كما لو أن الزوج دخل بيته، ووضع المال على الطاولة فجاءت الزوجة وأخذت منه خمسمائة ريال خلسة دون علم منه على صورة السرقة، ولكنه من غير حرز، والعكس لو أن الزوج فعل ذلك بزوجته.
في الصورة الأولى إذا كان من حرز اختلف العلماء رحمهم الله: بعض العلماء يرى أن الزوج يُقطع إذا سرق من مال زوجته، والزوجة تقطع إذا سرقت من مال زوجها، وبعض العلماء يرى أن الزوجة لا تقطع والزوج يقطع، وبعضهم يرى أنه لا يُقطع واحد منهما بسرقته من مال الآخر.
فالذين قالوا بأنه لا تُقطع يد الزوجين إذا سرق أحدهما من مال الآخر احتجوا بما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قصة عبد الله بن عمرو الحضرمي كان له غلام، ثم إن هذا الغلام سرق من مال زوجته -غلام أي: عبد مملوك- فجاء بهذا العبد المملوك إلى عمر رضي الله عنه وقال له: يا أمير المؤمنين! إن هذا سرق فاقطع يده.
قال: ماذا سرق؟ قال: سرق مرآة زوجتي وهي بستين درهماً، وهذا يعادل النصاب وزيادة، فقال عمر رضي الله عنه: (خادمكم أخذ متاعكم، لا قطع عليه)، وفي بعض الروايات: (مالك سرق مالك) أي: العبد من مالك وسرق مالك، قالوا: إن هذا يدل على أن الزوج لا يقطع إذا أخذ من مال زوجته؛ لأن العبد مع سيده كالشيء الواحد، وإذا كان العبد مع سيده كالشيء الواحد ولم تقطع يد عبده فمن باب أولى ألا تقطع يد السيد نفسه، وهذا دليلهم على إسقاط الحد عن الزوج.
وقالوا: هذا قضاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا القضاء سنة، ولم ينكر عليه، وهذا أمر تدعو الضرورة إلى انتشاره؛ لأنه كان في خلافة عمر رضي الله عنه، ومع هذا لم ينكره أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالوا: إن المرأة لا تقطع إذا سرقت من زوجها لوجود الشبهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلط يدها على مال زوجها، وذلك عند وجود الحق لحديث هند في الصحيح أنها قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح مسيك أفآخذ من ماله؟ قال: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فهذا يدل على أن المرأة فيها شبهة في تسلطها على مال زوجها.
فقالوا: إن كلاً منهما -أي: الزوج والزوجة- يتبسط في مال الآخر ويرتفق به، والغالب أنه لا يفعل هذا على سبيل الاعتداء وعلى سبيل السرقة، وإنما يفعل هذا غالباً لوجود نوع من الانبساط، وقالوا: هذا القضاء يدل على أنه لا قطع على أحد الزوجين إذا سرق مال الآخر.
والذين قالوا: لا تقطع الزوجة ويقطع الزوج، احتجوا بحديث هند، قالوا: إنها هي التي تتوسع في مال زوجها، وليس الزوج الذي يتوسع في مالها، فبقي الزوج على الأصل.
والحقيقة أن ظاهر قضاء عمر بن الخطاب -خاصة وأننا أمرنا بالعمل بسنة الخلفاء الراشدين- يقوى به الاستثناء.
وأما بالنسبة لمسألة الأخذ من غير حرز فلا إشكال في سقوط الحد فيه، وبه يقول جمهور العلماء رحمهم الله، فالمصنف رحمه الله أخذ بهذا القول الذي عمل به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله أصل من السنة، وخاصة في حديث هند رضي الله عنها وأرضاها.
قال رحمه الله: [ولو كان محرزاً عنه].
قوله: (عنه): أي: عن السارق سواءً كان الزوج أو الزوجة، ولو كان المال في حرز وقوله: [لو]: إشارة إلى خلاف مذهبي؛ لأن من العلماء من فرق بين كون المال المسروق من غير حرز، وبين كونه مسروقاً من حرز، ففرق بين المسألتين.