قال رحمه الله:[وأداؤها فرض عين على من تحملها متى دعي إليها وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله، وكذا في التحمل] أداء هذه الشهادة فرض عين على من تحملها، مثال ذلك: لو وقع حادث أو وقعت خصومة وشهد اثنان كانا حاضرين أثناء الحادث، ورفعت القضية إلى القضاء، فجاء صاحب القضية وقال للاثنين: أريدكما أن تشهدا معي، فحينئذٍ يجب عليهما أن يحضرا إلى مجلس القضاء، وأن يشهدا بما علما، وذلك فرض عين عليهما، وإذا تعطلا أو امتنعا فإنهما آثمان شرعاً، ويتحملان المسئولية أمام الله عز وجل، وقد قال تعالى:{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة:٢٨٣].
وأجمع العلماء رحمهم الله على أن الشاهد إذا دعي، خاصة إذا لم يوجد غيره، وتوقف إحقاق الحق على وجوده، فإنه إذا امتنع يتحمل الإثم -والعياذ بالله- والوزر، وهذا بإجماع العلماء، ويحكم بفسقه؛ وهذا فيه وعيد شديد، وأيضاً فيه تعطيل للحقوق، وفيه عدم صيانة للقضاء؛ لأن القاضي إذا لم يجد شهوداً سيضطر إلى قبول اليمين، وقد تكون يمينه غموساً، وحينئذٍ يحق الباطل ويبطل الحق، فتضيع حقوق الناس، فتحملها فرض عين على الإنسان، إذا لم يوجد غيره، ويجب عليه أداؤها إذا لم يكن هناك شهود غيره، فإن كان هناك شهود، فحينئذٍ ننظر إذا كانوا موجودين أحياء، ويمكنهم أن يشهدوا، وجاء صاحب الحق وقال لك: أريدك أن تشهد، فإن كان عندك قدرة أن تذهب وتشهد فاذهب، وهذا أفضل وأعظم لأجرك وأتقى لربك، أما إذا كان الإنسان عنده عذر، أو لا عذر عنده، وقال: أنا لا أريد أن أذهب، فحينئذٍ ترك الأفضل، وهناك مندوحة لأن هناك من يقوم بهذا الأمر من غيره.
فإذا كان من حضروا قد ماتوا ولم يبق منهم إلا هذان الاثنان، فحينئذٍ يتعين عليهما الحضور، أو كان البقية مسافرين، وحضرت القضية فإنه يجب عليهما أن يذهبا ويشهدا.
إذاً: إذا تعينت عليه صارت فرض عين، وأما إذا وجد من يقوم بها من غيره ممن تقبل شهادته، لم تصر فرض عين عليه، لا في التحمل ولا في الأداء.
وقوله:(متى دعي إليها): من العلماء من قال: الشاهد إذا دعي فيجب عليه أن يجيب، سواء وجد غيره أم لم يوجد؛ لعموم قوله تعالى:{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البقرة:٢٨٢]، والورع تعاطي ذلك.