للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان استئجار شعيب لموسى عليه السلام]

السؤال

في قوله تعالى: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:٢٧] لم يخصص أي واحدة منهما فهل في عقد الإجارة جهالة، أثابكم الله؟

الجواب

البنتان معروفتان لموسى عليه السلام، فقد خرج معهما، ورجع معهما، وقال له أبوهما: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، أي: تخير منهما ما شئت، فهذا وجه لبعض العلماء أنه خيره بين الثنتين المعلومتين وقال له: أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، وهو يختار من شاء منهن، فاختار أصغرهما؛ لأن النص سكت، فلا يبعد أن يقول له: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص:٢٨]، فلما سكتت الآية وجاءت للمقصود {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} [القصص:٢٩] في سورة القصص، وبين الله سبحانه وتعالى أنه قضى الأجل وسار بأهله؛ دل على أن الأمر مبتوت فيه من العقد؛ لأن العقد لما جاء مجملاً فهمنا من الأمور أنها مرتبة ومعلومة، ولاشك أن من خير بين الصغير والكبير فإنه يختار الأفضل، فاختار الأفضل لحفظ نفسه؛ لأنه يريد إعفاف فرجه عن الحرام، وهذا شأن كل إنسان يريد أن ينكح، وشأن كل إنسان عاقل يريد أن يبحث عن الشيء الذي يتحقق به مقصود الشرع على أتم الوجوه وأكملها، فليس في الآية أنه بقي على الإبهام إلى ما بعد ثماني سنوات، بل الذي وقع بعد ثماني سنوات هو بتُّ النكاح وانتهاؤه أي: وقوعه.

إذاً: نقول: الآية لا يمكن الاستدلال بها على الجهالة، ولذلك قال العلماء: إذا قال الرجل: أزوجك إحدى بناتي بعشرة آلاف ريال، فقال: قبلت، لم يصح؛ لأن شرط صحة النكاح تعيين الزوجين، وقد بينا هذا في باب النكاح، فبناء على ذلك إما أن نقول: إنه مجهول يؤول إلى العلم، فهو قال: (أريد أن أنكحك إحدى ابنتي) وكأنه يقول: اختر إحدى ابنتي بثمانية حجج وأزوجك، فاختار إحدى الابنتين، وهذا هو تمام الآية؛ لأن القرآن دائماً يجمل عندما يذكر القصص، وهذا من أروع ما يكون، حتى إن جهابذة من يكتب في القصص وممن يعجب بكتابة ما يسمى بفن القصص- كثير منه مأخوذ من الكتاب والسنة، منتزع انتزاعاً من علوم المسلمين من الكتاب والسنة، وهذا يعرفه كل أحد، حتى إنك حينما تتأمل في منهج القرآن في ذكر القصص، والأحداث المهمة في القصص، والتركيز على المقصود من القصة، وإغفال الجوانب التي لا علاقة لها بجوهر الموضوع؛ تجد القرآن في أتم الصور، وأجمل الحلل وأبهاها وأتمها؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد سبحانه وتعالى.

فالله عز وجل قد بين المقصود من هذه الآية، فلا يصح الاستدلال بالآية على جواز الإجارة المجهولة.

الأمر الثاني: نقول: افرض أنها مجهولة، فهذا شرع من قبلنا، وشرعنا بخلاف ذلك، وهو أنه لا بد فيه من التعيين، والإجماع منعقد على أنه لا بد من تعيين إحدى الزوجين.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>