أي: وعفوه بدون أن يأخذ شيئاً أفضل؛ لأنه إذا فعل ذلك تولى الله تعالى أجره وثوابه، ولأن غاية الإحسان أن يعفو عمَّن ظلمه وعمَّن آذاه، ولا يأخذ منه شيئاً، وإنما ينتظر من ربه العوض والخلف، ولو أنه عفا ثم أخذ الدية فلا يلام.
ومن أدران الجاهلية والعصبيات الممقوتة عند بعض الناس: أن أولياء المقتول إذا قالوا: لا نريد القصاص ونريد الدية، فإنه يعتب عليهم، ويأتي أولاد العم والقرابة ويقولون: أنتم لا تقدرون أباكم، وأبوكم لا يقدر بثمن، وما هذه الدية؟ أترضون بالمال دون دم أبيكم؟ أنتم كذا أنتم كذا ولربما هددوهم بالقطيعة -والعياذ بالله تعالى- وهذا من مضادة شرع الله عز وجل، ومن المحادَّة، ومن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
فإن الله تعالى يحب العفو ويقول:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة:٢٣٧]، وهؤلاء -نسأل الله تعالى السلامة والعافية- بخلاء على أنفسهم، ويأمرون غيرهم بالبخل، فهؤلاء لا يجوز طاعتهم؛ لأنهم لا يريدون الخير لمن عفا أو أراد أن يعفو، فالذي يريد أن يعفو ويقول: أسامح لوجه الله تعالى، فأجره على الله عز وجل، والأفضل أن لا يأخذ شيئاً.