الذنوب إما صغائر وإما كبائر، وإذا لم يكن كبيرة ولا صغيرة فليس ذنباً؛ لأن الله يقول:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء:٣١]، فجعل الذنوب منقسمة إلى كبيرة وصغيرة، ولذلك جمهرة أهل العلم رحمهم الله -وهو مأثور عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـ ابن عباس وغيره- على أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقال بعض العلماء: لا صغائر ولا كبائر، والذنوب لا يقال فيها: صغير وكبير؛ لأن الله أعظم من أن يقال في معصيته: صغيرة، لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما من لم يقل بالتقسيم فإنه لم يعرف الكبائر.
يعني: لم يعرف ضابط الكبيرة من قال: لا يوجد صغائر وكبائر، والواقع: أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بدليل الكتاب والسنة، أما دليل الكتاب: فكقول الله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء:٣١]، فوصف المنهيات بأن فيها كبائر، فقال:{كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}[النساء:٣١]، وكذلك قال تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}[الحجرات:٧]، فالكفر خروج من الملة، ثم جعل من بداخل الملة إما فاسقاً وإما عاصياً، والفسوق: هو ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر حتى تصل إلى حد الكبيرة، والعصيان: صغائر الذنوب.
أما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله ... ) الحديث، فقال:(أكبر الكبائر)، فوصف الذنب بأنه كبير، وأن الكبائر فيها أكبر، بصيغة (أفعل) التي تقتضي اشتراك الاثنين في الصفة، وأن أحدهما أقوى وأكبر من الآخر.
فهذه النصوص كلها تدل على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، فالذنب إما صغيرة وإما كبيرة، وكل معصية لله عز وجل إما أن تكون صغيرة أو كبيرة.
كذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الصحيح:(الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والصلوات الخمس مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فقال:(مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فجعل الذنب مكفراً إذا كان صغيرة، بشرط: اجتناب الكبيرة.
فدل على أن الذنب إما كبير وإما صغير، وضابط الكبيرة هو:(كل ذنب سماه الله أو رسوله كبيرة، أو شرع الله له حداً في الدنيا، أو توعد عليه بعقوبة في الآخرة، أو بغضب، أو نفي إيمان، أو لعنة، أو نحو ذلك)، فهذا ضابط الكبيرة، وهذا القول -أعني: ضابط الكبيرة- مأثور عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وبه يقول الإمام أحمد رحمة الله عليه، واختاره جمع من العلماء، كالإمام أبي محمد علي بن حزم الظاهري رحمه الله، وجمع من الأئمة المتأخرين، وهو -إن شاء الله- من أجمع الضوابط للكبائر، والله تعالى أعلم.
نسأل الله العظيم أن يسلمنا من صغائر الذنوب وكبائرها، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.