للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مناسبة تقديم كتاب الطهارة على بقية أبواب الفقه]

السؤال

لماذا بدأ المصنف رحمه الله كتابه الفقهي بكتاب الطهارة؟

الجواب

لأن الفقه منه ما هو متعلق بالعبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، ومنه ما هو متعلق بمعاملة الناس بعضهم مع بعض كالبيع والنكاح والجناية.

فأجمع العلماء على تقديم العبادة على المعاملة، فيقدمون أبواب الصلاة والزكاة والصوم والحج على سائر أبواب المعاملات.

والسبب في ذلك: أن العبادة هي الأصل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) فقدم الصلاة وجعلها بعد الشهادتين.

ولذلك درج العلماء من المحدثين والفقهاء على استفتاح كتب الحديث والفقه بكتاب الصلاة.

والمصنف قال: (كتاب الطهارة) ولم يقل: (كتاب الصلاة)، فلماذا لم يجعل بداية كتابه بكتاب الصلاة؟ الجواب: أن الصلاة لا تقع إلا بطهارة سابقة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦] فأمر كل من قام إلى الصلاة أن يتطهر قبل فعل الصلاة.

وبناءً على ذلك قدم الكلام عن الطهارة على الكلام عن الصلاة، وبعبارة علمية كما يقول العلماء: الطهارة وسيلة والصلاة مقصد، والقاعدة تقول: (الكلام على الوسائل يقدم على الكلام على المقاصد).

والطهارة تحتاج إلى معرفة أمور: أولها: أن تعرف ما هو الشيء الذي تتطهر به؟ أي: تتوضأ وتغتسل به، وتغسل به النجاسة عن البدن أو الثوب أو المكان حتى توصف بكونك متطهراً.

ثانياً: أن تعرف الصفة التي تحصل بها الطهارة.

فلابد من أمرين: ما يتطهر به وصفة الطهارة، وبعبارة مختصرة: شيء يتوضأ به وصفة تحصل بها الطهارة.

أما الشيء الذي تتوضأ به فقد جعله الشرع في شيئين: إما الماء، أو البدل عن الماء.

فالإنسان يصلي إذا تطهر بماء أو ببدل يقوم مقام الماء.

إذاً عندنا أمران: أصل، والذي هو الماء، وبدل، والذي هو التراب، فلابد للمكلف أن يبدأ بمعرفة الشيء الذي تحصل به الطهارة وهو الماء، ثم بعد ذلك يعرف كيفية فعل الطهارة، فإن كل مكلف إذا أراد أن يتوضأ يحتاج أول شيء إلى الذي يتوضأ به، ثم يسألك بعد ذلك كيف أتوضأ؟ فأما الشيء الذي يتوضأ به فهو الماء، ولذلك قال المصنف: (كتاب الطهارة، باب المياه).

فابتدأ أول شيء بالمياه؛ لأن الإنسان يحتاج أولاً إلى وجود الماء حتى يسألك بعد ذلك: كيف أتوضأ؟ وكيف أغتسل من الجنابة؟ وتسأل المرأة: كيف تغتسل من نفاسها وحيضها؟.

إلخ.

فتبين أن الصلاة هي الأساس، ويقدم الحديث عنها على سائر المعاملات، ثم الصلاة تحتاج إلى وسيلة وهي الطهارة والطهارة، تحتاج إلى شيء يتطهر به، وصفة الطهارة.

وسينحصر كلامنا إن شاء الله في المياه التي يتطهر بها الإنسان ويزيل بها عنه الخبث ويرفع بها الحدث.

ولذلك قال المصنف: (وهي ارتفاع الحدث) فبعض العلماء يقول: باب المياه، وبعض العلماء يقول: كتاب الطهارة: باب المياه ثم يتكلم عن أنواع الماء، لكن المصنف جاء مباشرة وقال: (كتاب الطهارة وهي ارتفاع الحدث) إلخ.

ولا فرق لكن التعبير بباب المياه أدق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>