[حكم كثرة الحركة في الصلاة من غير جنسها]
قال رحمه الله تعالى: [وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه].
وصف المصنف العمل بكونه مستكثراً، أي: كثيراً، فخرج العمل القليل، كأن يصلح عمامته أو يصلح ثوبه، فقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حينما جر ثوبه وهو في الصلاة والتحف به، فهذا عمل يسير.
وللعلماء قولان في ضابط العمل الكثير: القول الأول: أنه يضبط بالعدد، فإذا فعل ثلاث حركات متتابعات بدون فاصل فهذا عمل كثير ويوجب بطلان الصلاة، وهذا قول الحنفية.
القول الثاني: لا حد بالعدد، وإنما يحد بالعادة والعرف؛ لأن ما أطلق في الشرع فإنه يبقى على إطلاقه.
فيعرف الكثير من العمل في العادة بأنه لو رآه رجل من بعيد يفعل هذه الأفعال لقال: هذا غير مصلٍ.
فبناءً عليه فرقوا بين القليل والكثير بضابط العادة، وهذا قول الجمهور، ومنهم الشافعية والحنابلة، ودرج عليه المصنف فقال: [عادة]، والقاعدة أن ما أطلقه الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف والعادة.
فعمل المستكثر عادة يعتبر من موجبات بطلان الصلاة؛ لأن الإنسان إذا فعل الأفعال الكثيرة التي لا تتعلق بالصلاة خرج عن كونه مصلياً، وبناءً على ذلك يحكم ببطلان صلاته، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن في الصلاة لشغلاً)، والتعبير بهذا الأسلوب يدل على أنه شغل، أي: ينبغي للمكلف أن يستجمع نفسه لهذه الصلاة فلا يشتغل بأي أمر خارج عنها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، فهي عبادة مخصوصة تقع على هيئة مخصوصة، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأصل بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
فالأفعال التي هي من جنس الصلاة إن كانت عمداً فالصلاة باطلة، وإن كانت سهواً جبرت بسجود السهو.
وهذا هو النوع الأول من الأفعال الزائدة.
والأفعال الزائدة من غير جنس الصلاة يفرق بين قليلها وكثيرها، فإن كان الفعل كثيراً بطلت، وإن كان يسيراً لم تبطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب وهو في الصلاة، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه حمل أمامة في الصلاة ووضعها، وصعد المنبر ونزل عنه عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك لم يوجب بطلان صلاته صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: (يبطلها عمده وسهوه).
أي أن الأفعال المستكثرة التي ليست من جنس الصلاة يبطلها العمد والسهو، فلو أن إنساناً نسي أنه في الصلاة فتحرك حركات كثيرة، ثم تذكر أنه في الصلاة ورجع إليها؛ فإنه يحكم ببطلان صلاته، ويستوي في ذلك أن يكون متعمداً أو ناسياً، ولذلك يعتبرون النسيان في مثل هذا الحال لاغياً.
فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦]؟ قلنا: نسيانه وذهوله يوجب سقوط الإثم عنه، ولا يوجب سقوط الحق عنه، ولذلك فإن النسيان لا يسقط الحقوق، فلو كان لرجل على إنسان دين ونسيه ثم تذكره وجب عليه أن يقضي الدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فدين الله أحق أن يقضى)، فحق الله لا يسقط بالنسيان، وهذا على الأصل وإن كان هناك استثناءات دلت النصوص عليها، ولذلك يعبر الأصوليون بعبارة أدق فيقولون: يسقط عنه الإثم من باب الحكم، ويلزم بإعادة صلاته واستئنافها إعمالاً للأصل.