للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جواز تأخير إخراج الزكاة للضرورة]

يقول المصنف رحمه الله: [مع إمكانه].

(مع إمكانه) الإمكان: ما في وسع الإنسان، فإذا كان يمكنه وفي وسعه أن يبادر بادر، لكن لو جاءه ظرف لا يستطيع معه أن يتمكن من إخراج الزكاة، وهو شيءٌ يقهره ويمنعه من المبادرة بها، فحينئذٍ له أن يتأخر إلى أن يتمكن، والأصل في ذلك أن الله عز وجل كلّف العباد بما في وسعهم، ولم يكلِّفهم بما هو خارج عن وسعهم، ومن هنا قعّد العلماء القاعدة التي تقول: (التكليف شرطه الإمكان)، وهذه قاعدة مستنبطة من قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، فإن كان بإمكانه أن يبادر بالإخراج لزمه الإخراج فوراً، وإن كان لا يمكنه إلا بعد ساعات، أو بعد أيام، أو بعد أسابيع، فيعذر بقدر الضرورة التي ضيقت عليه أو منعته من المبادرة بامتثال أمر الله عز وجل بإخراج الزكاة.

[إلا لضرورة].

أي: إلا إذا وجد الضرر، فإذا وجد الضرر جاز له أن يتأخر إلى زواله، كأن يعلم بأهل بيت هم مساكين أو فقراء، ولكن الطريق الذي يريد أن يذهب فيه بهذه الزكاة فيه ضرر، فيؤخِّر إلى زواله، حتى يعطي المستحق حقه، كأن يخشى من لصوص أو قطع طريق أو نحو ذلك من الأسباب، فحينئذٍ يجوز له أن يؤخر خوفاً من هذا الضرر، ويستوي في ذلك أن يكون الضرر متعلقاً به أو متعلقاً بماله أو متعلقاً بأهله وولده، فهذه الأحوال يجوز له أن يؤخر فيها، ولا يجوز له أن يؤخر إلا عند خوف الضرر الذي يصل به إما إلى مرتبة الحاجيات أو مرتبة الضروريات، ومرتبة الضروريات كأن يخاف على نفسه الهلاك، ومرتبة الحاجيات دونها، فلا يخاف الهلاك والموت، ولكن يخاف الضرر والإجحاف، كمذلة ومهانة لا تليق بمثله، ونحو ذلك، فإن نزلت نظرنا، إن وصلت إلى قدر الحاجيات ساغ ذلك للقاعدة: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة)، وإن كانت دون مرتبة الحاجة والضرورة فلا يجوز تأخيرها، ومن توسع في تأخير الزكاة أثِم.

والأصل في إسقاط الإخراج الفوري لوجود الضرر: أن الشريعة لا تأمر بالضرر، فلو كان هناك ضررٌ في الإخراج الفوري، وقلنا للمكلف: أخرجها فوراً، فقد أُمر بالضرر، والله لا يأمر بالضرر، ولذلك ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا يدل على أن الضرر لا يأمر به الشرع، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨]، والضرر فيه حرج، ولذلك لا يأمر الله عز وجل بما فيه حرج، فإذا كان إخراجه للمال فوراً فيه حرج وضرر عليه، نقول أخِّر حتى يزول الضرر، للقاعدة: (أن ما شُرع لحاجة بطل بزوالها)، فإذا زال الضرر أو ذهب تزول معه الرخصة، فحينئذٍ يجب عليه الإخراج فوراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>