[مانع زواج المرأة بأجنبي]
وقوله: [ولا لمزوجة بأجنبي] الأم لها حق الحضانة ما لم تتزوج، فلو طلقها زوجها فإنها أحق بولدها وبحضانته، فإذا تزوجت نظرنا في هذا الزوج: إن كان أجنبياً عن الصبية التي هي بنتها فإن الحضانة تنتقل من الأم، لقوله عليه الصلاة والسلام: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)، فلما قال: (ما لم تنكحي) أخلى يدها عن الولاية بوجود النكاح.
وأما إذا كان الشخص الذي تزوجها بينه وبين المحضون محرمية، ففي هذه الحالة لا تنتقل ولا تسقط الحضانة عن الأم، واستدلوا على ذلك بقصة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه قال: إنها بنت عمي وخالتها تحتي، فهو ليس أجنبياً عنها، قالوا: هناك قرابة بين جعفر وبين حمزة رضي الله عنهما، وهنا يقولون: بسبب الرضاع الذي بين جعفر وحمزة استحق أن يليها؛ لأنه ليس بأجنبي عن هذه البنت.
ومن أهل العلم من قال: إذا كان قريباً ولو بالنسب التي هي قرابة العصبة غير المحرمية فإن له حقاً، وحينئذٍ تعتضد الزوجة بهذا القريب ولو لم يكن محرماً في ولايتها على بنتها.
وعلى هذا فالخلاصة: إن كان قريباً له محرمية فلا إشكال في إبقاء الحضانة عند الزوجة، وإن كانت قرابته لا توجب المحرمية، فاختيار طائفة من أهل العلم رحمهم الله وخاصة في مذهب الحنابلة أنه يكون للمرأة حق الحضانة وذلك لوجود القرابة بين زوجها وبين هذه البنت المحضونة.
وقوله: [من محضون] أي: الشخص المحضون أجنبي.
وقوله: (من حين عقد) إذا قلنا: إن المرأة إذا تزوجت تسقط حضانتها يرد
السؤال
هل تسقط بمجرد العقد أم لابد أن يدخل هذا الزوج الأجنبي بها؟ وجهان للعلماء: فمن أهل العلم من قال: لا تسقط حضانة الزوجة إلا بدخول الزوج، وهو مذهب المالكية ومن وافقهم رحمهم الله.
ومنهم من قال: مجرد العقد يوجب سقوط الحضانة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة رحمهم الله.
وقد استدل الذين قالوا: إن مجرد العقد يوجب سقوط الحضانة؛ بقوله عليه الصلاة والسلام: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)، والمرأة توصف بكونها منكوحة بمجرد العقد، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩] فدل على أن المرأة تكون منكوحة بمجرد العقد.
إذا ثبت هذا فيقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) وقد نكحت وتزوجت، سواء دخل بها أو لم يدخل.
ومذهب الحنابلة والشافعية على أن العبرة بالعقد أقوى أثراً، ومذهب المالكية ومن وافقهم أقوى نظراً، مع أن الأثر يحتمل؛ لأن العلماء اختلفوا: هل النكاح حقيقة في العقد أو حقيقة في الوطء؟ خلاف مشهور.
بعض العلماء يقول: حقيقة في العقد، وبعضهم يقول: حقيقة في الوطء، ومنهم من يقول: حقيقة فيهما.
والسبب في ذلك: أن القرآن ورد فيه النكاح بمعنى الدخول، وورد فيه النكاح بمعنى العقد، وأكثر ما ورد بمعنى العقد.
وقالوا: إن النكاح بمعنى الدخول دليله قوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] فجاءت السنة وبينت أن النكاح هنا المراد به الدخول، وليس مجرد العقد، فصار قوله: ((حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)) المراد به الدخول.
ومن هنا يقولون: إن النكاح حقيقة في العقد وحقيقة في الوطء، فإذا كان حقيقة فيهما يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) يحتمل الوجهين: ما لم تنكحي، أي: تعقدي، ويحتمل: ما لم تنكحي، أي: يدخل زوجك بك.
فالمالكية يقولون: لما احتمل الأمرين اعتضد بالأصل، وهو أن الخطر على الشخص المحضون لا يتأتى إلا بعد الدخول، ويكون تقصير الزوجة لانشغالها بالزوج بعد الدخول لا قبل الدخول، فهو أقوى من جهة النظر؛ لأن الأثر من ناحية إطلاق النكاح حقيقة على الدخول أيضاً فيه إشكال.
لأن بعض العلماء يرى أن آية البقرة في الطلاق ثلاثاً هي في النكاح، لكن جاءت السنة بزيادة شرط الدخول.
وعلى كل حال فالمسألة محتملة، أما من حيث النظر والقوة في المعنى فلا شك أن الدخول هو المعتبر.
وقوله: [فإن زال المانع رجع إلى حقه].
أي: فإن زال المانع عن الشخص المحضون رجع إلى حقه، فإذا أسلم الكافر وأفاق المجنون رجع إلى ولايته للحضانة.