للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم سجود المؤتم إذا ركع الإمام عند وقوفه عند آية سجدة]

السؤال

إذا صلى وقرأ آيات وكان آخر آية في السورة سجدة فكبر وركع، وظن المأموم أنه سجد للتلاوة فنزل للسجود، فرفع الإمام من الركوع، فتبين للمأموم أن الإمام ركع وسجد للتلاوة، فماذا عليه في هذه الحال؟

الجواب

هذا السؤال تعم به البلوى، وفيه جوانب: الجانب الأول: أن بعض العلماء رحمة الله عليهم نبهوا إلى أن الإمامة لها فقه وآداب، فلا يكفي طالب العلم أن يكون على علم بأفعال الصلاة ليأتي ويؤم الناس، بل ينبغي أن يعرف فقه الخلاف، والنوازل التي تطرأ على الأئمة، وفقه الإمامة.

ومن الأمور التي ذكروها في فقه الإمامة أنهم قالوا: لا ينبغي للإمام أن يتسبب في أمر يوجب اختلال صلاة الناس.

ومن ذلك ما ذكر في السؤال: أن يقرأ سورة في آخرها سجدة.

قالوا: إذا قرأ السورة التي في آخرها سجدة فإنه يسجد ولا يركع؛ لأن الناس لا شك أنهم سيسجدون، وبناءً على ذلك يعمل بالأصل فيسجد، فإن كان ليس عنده نية أن يسجد فحينئذٍ لا يقف على السجدة، وإنما يقف إما قبل السجدة، أو يصل السورة بالتي بعدها ويستفتح بآية أو آيتين ويركع.

فيعلم الناس أنه بدخوله في السورة الثانية قصد أن لا يسجد، وحينئذٍ تحفظ صلاة المأمومين من الاختلاج، ولذلك قال الأئمة: إنه مما يكره تخيّر آيات السجدة لمن لا يريد السجدة، كأن يقرأ سورة (اقرأ باسم ربك) في صلاة المغرب وهو لا يريد أن يسجد، فإنه إذا مر بالسجود وقال: (الله أكبر) فإن من لا يراه، كالنساء سيسجد مباشرة، كذلك من هو بعيد عن الإمام، خاصة في المساجد الكبيرة.

فمن فقه الإمامة التنبه لمثل هذا، ولذلك لا ينبغي فعل مثل هذا، فإن أراد الإمام أن يقرأ السجدة ويسجد فلا حرج، وقد أصاب السنة، أما إذا لم ينو السجود فلا يقرأ، أو يقرأ ما بعدها من آيات لكي يبين أنه غير قاصد للسجود.

فهذا بالنسبة لما يتعلق بالإمام.

أما بالنسبة لما يتعلق بالمأمومين فإذا كبّر الإمام وركع فمن الناس من يسجد، ومنهم من يركع، أما من ركع فلا إشكال، ولكن من سجد فلا يخلو من حالات: الحالة الأولى: أن يسجد ويتنبه أن الإمام راكع أثناء سجوده أو أثناء الهوي، أو يتنبه بعد سجوده أن الإمام لم يسجد، أو يتنبه بمن بجواره، أو يتنبه برؤية الإمام أثناء الهوي أنه ركع ولم يسجد، فحينئذٍ إذا تنبه رجع مباشرة؛ لأنه مطالب بالاقتداء، وزيادة هذا الفعل حصلت لما كان الأمر في الآية بالسجود، ولا عبرة بالظن الذي بان خطؤه، فيلغى فعله، والإمام يحمل عنه هذا الخلل، فهذا إذا تنبه ورجع.

الحالة الثانية: أن لا يتنبه إلا بعد تسميع الإمام، وحينئذٍ لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون ساجداً، فيقول الإمام: (سمع الله لمن حمده)، فإن قام واستتم قائماً وركع وأدرك الإمام في الرفع من الركوع أو في السجدة صحت صلاته وأجزأته، وقد فاته الركن وتدارك، ويكون تأخره للعذر، فيجبره بالتدارك، وهذا إذا قام وركع.

الحالة الثانية: أن يجهل الحكم فيقوم ولم يركع، لكون الإمام قد وقف، فاجتهد لحظ نفسه، فحينئذٍ إذا لم يركع يلزمه أن يأتي بركعة بعد سلام الإمام، كمن فاتته ركعة وراء الإمام، وكمن لم يقرأ الفاتحة وراء الإمام، أو لم يركع أو يسجد لسهو وراء الإمام، فيلزمه أن يأتي بركعة تامة؛ لأن الركوع لا يجبر إلا بالركعة التامة، وحينئذٍ إذا جاء بالركعة الثانية صحت صلاته تامة، لكن لو فرض أنه لم يفعل شيئاً من هذا، كأن قام ووقف مع الإمام وسجد وسلم مع الإمام، ثم خرج من المسجد ولم يقضِ هذه الركعة فقد بطلت صلاته ولزمته الإعادة.

فهذا حاصل ما يقال في هذه المسألة التي يكون فيها سجود المأموم وركوع الأئمة، وقس على هذا بقية الأركان التي يحصل فيها الاختلاج بين الأئمة والمأمومين.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>