قوله:(وتجرد من المخيط) المخيط هو الذي يحيط بالبدن، فالقميص يعتبر مخيطاً؛ لأنه يحيط بصدر الإنسان ويحيط بيده، ولذلك قالوا: قد يكون المخيط مخيطاً ولا خيط فيه، فلو أخذ رداء الإحرام وعقده بشوك فأحاط بالبدن حتى صار كيد الثوب فهو مخيط؛ لأنه محيط بالبدن، فالعبرة بالإحاطة بالبدن، لا بعدم وجود خيط، ولذلك كانت العمامة في حكم المخيط؛ لأنها تحيط بأعلى الرأس، مع أنها ليست مخيطة، مما يدل على أن المراد: الإحاطة بالعضو.
أما بالنسبة للدليل على أن المحرم لا يلبس المخيط -أي: المحيط بالبدن جزءاً أوكلاً-: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله الرجل فقال: (يا رسول الله! ما يلبس المحرم؟ قال: لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف) وهذا الحديث إذا تأملته وجدت كمال بلاغته عليه الصلاة والسلام، وما أوتي من جوامع الكلم! فإنك إذا تأملت هذا الحديث وجدت أنه نهى عن العمامة: والعمامة تكون غطاء لأعلى الرأس، ثم (القميص): وهو يكون للصدر وأعلى البدن، ثم (السراويل): وهي لأسفل البدن، ثم (البرانس): وهي التي فيها غطاء الرأس وغطاء جميع البدن، فكأنه بهذا يمنع المخيط الذي يحيط بالبدن أجزاءً أو كلاً، فجمع قوله:(لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات) بين تغطية أعلى البدن وأوسطه وأسفله، ثم جاء بما يجمع الكل فقال:(ولا البرانس)، وهو جمع برنس، ولذلك قالوا: يحظر عليه أن يلبس ما يحيط بالبدن ولو لم يكن له خياطة، وهو مخيط إذا أحاط بالبدن.
والإحاطة بالبدن جزءاً كأن يحيط بيده أو برجله كما في السراويلات ونحوها، فعلى المحرم أن يتجرد من السراويل، والفنايل التي تسمى بهذا في زماننا، وهي سترة الصدر، وكذلك يتجرد من القمص وما في حكمها مما يسمى اليوم بالكوت أو نحوه؛ لأنه يستر أعالي البدن، فجميع ذلك يلزمه أن يتجرد منه، ويتجرد مما يغطي الرأس من العمائم والغتر والأشمغة، وهكذا بالنسبة للطواقي ونحوها فإنها غطاء للرأس، فيتجرد من جميع ذلك.
مسألة: لو كان الإنسان في طائرة، وعنَّ له وهو قادم من الرياض -مثلاً- أن يحرم بالعمرة، ولكن ليس عنده إزار يستر أسفل بدنه، وليس باستطاعته أن يتجرد، فحينئذٍ يجوز له أن يلبس السروال، ويكون السروال عوضاً عن الإزار؛ لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في يوم عرفة وقال:(السراويل لمن لم يجد الإزار) فحينئذٍ يتجرد من المخيط إلا إذا لم يجد ما يستره؛ فيجوز له أن يستتر بالمخيط حتى يجد غير المخيط، وهذا من كمال الشريعة ومن رحمة الله عز وجل بعباده، وهو من اليسر الذي بعث به نبيه صلوات الله وسلامه عليه.