[استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة بعد الأذان]
قال رحمه الله تعالى: [وقوله بعد فراغه: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته] هذه هي السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ) على أن كثيراً من الناس ترك هذه السنة، وهي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، فتجده مباشرة إذا قال المؤذن: (لا إله إلا الله)، يقول: (لا إله إلا الله، اللهم رب هذه الدعوة ... )، وهذا خلاف السنة.
والسنة أنه إذا قال: (لا إله إلا الله)، أن يصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة الإبراهيمية، ثم بعد ذلك يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... ).
قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة عليه بعد الأذان لذكره في الأذان، ومنهم من قال: إنه أمر بالصلاة عليه لوجود الدعوة؛ لأنه يُسن أن يُبتدئ الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فضائله -كما في أحاديث الترغيب- أن يكون في الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول بعد انتهائه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... )، فهي دعوة تامة كاملة؛ لأنها اشتملت على أمرين: أحدهما تعظيم الله، وثانيهما توحيده، ولذلك وصف الله صاحبها بأنه أحسن الناس قولاً، فقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣]؛ لأن المؤذن يصلي، وعمل صالحاً بدعوة الناس إلى الصلاة، فلذلك قالوا: هي دعوةٌ تامة، دعا إلى توحيد الله عز وجل بشهادته ثم دعا إلى إقام الصلاة التي هي من تعظيم الله عز وجل.
(والصلاة القائمة) أي: التي ستقام، فيوصف الشيء باعتبار ما يؤول إليه، وهذا من بلاغة العرب، حيث يصفون الشيء بما كان عليه، ويصفونه بما يؤول إليه، ويصفونه بحاله، فيقولون: فلان يتيم بناءً على ما كان عليه، كما قالوا: محمد يتيم أبي طالب، باعتبار ما كان عليه، ومنه قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٢] نهى عن إعطاء اليتيم ماله، لكن: آتوا اليتامى الذين بلغوا راشدين أموالهم، فوصفهم بكونهم يتامى بما كانوا عليه، وكذلك تصف العرب الشيء بما يؤول إليه، فيقولون: (فلانٌ مصلٍ).
أي: سيصلي، ونحن مصلون، أي: سنصلي، فكذلك قوله هنا: الصلاة القائمة، أي: التي ستقام.
والوسيلة هي كما فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم: (درجةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، قال: وأرجوا أن أكون أنا هو).
ومن سأل للنبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة حلّت له الشفاعة يوم القيامة، فنسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبلغه الوسيلة، وأن يجزيه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
ثم ختمها بقوله عليه الصلاة والسلام (والفضيلة، والمقام المحمود الذي وعدته)، والفضيلة: من الفضل، والفضل: الزيادة.
أي: الفضائل، وهي أعلى الدرجات، وإذا تفضَّل الله على العبد فقد بلَّغه أعالى المراتب وأكملها، كما قال تعالى في الخير: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:٥٤]، فالفضل: الخير العظيم، وقال تعالى: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:١٠٥]، وزيادة (الدرجة العالية الرفيعة في الجنة) ضعيفة كما نبَّه عليها السخاوي في (المقاصد الحسنة)، وهي زيادة ضعيفة لا أصل لها.
ومعنى (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) هو المقام الذي يحمِده عليه الأولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة، قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩]، وعسى في القرآن للحقيقة، وهو مقام الشفاعة.
وزيادة: (إنك لا تخلف الميعاد) فيها خلاف، وهي من رواية البيهقي، ومن العلماء من أثبتها، ومنهم من قال بعدم ثبوتها للشذوذ، ومن شرط الصحة عدم الشذوذ، ومن قالها فيتأول الصحة ولا حرج، ومن لم يقلها لا حرج عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.