للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما يمنع من قطع يد السارق]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وأن تنتفي الشبهة].

يشترط لوجوب حد القطع أن تنتفي الشبهة في السارق، وقد تقدم معنا تعريف الشبهة في حد الزنا، وبينّا أن السنة وآثار الصحابة رضوان الله عليهم وردت بإسقاط الحد عند وجود الشبهة، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده، وهو منهج الأئمة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أوسع الناس في باب الشبهة، وكان يسقط الحد عند وجود الريبة والشبهة، ولذلك استقر مذهبه على ذلك، وثبتت عنه الآثار الصحيحة لإعمال الشبهة في إسقاط حد السرقة، كما في قصة غلام الحضرمي، وهي من القصص التي اعتبرها العلماء دليلاً على إثبات أن الشبهة موجبة لسقوط حد السرقة.

فيقول: (وأن تنتفي الشبهة) النفي ضد الإثبات، وإذا قلت: تنتفي الشبهة، بمعنى: ألا توجد شبهة، وهذا شرط راجع إلى الملكية.

ومن هنا نجد من العلماء -رحمهم الله- من عبر في شروط السرقة بالملك التام القوي، أي: يكون المسروق منه قد ملك المال ملكاً تاماً قوياً بحيث لا تحصل منازعة بينه وبين السارق، فإذا وجدت الشبهة فإن هذا يؤثر في الملكية التامة كما في الشريك مع شريكه، وكما في الابن مع أبيه، والأب مع ابنه، ونحو ذلك من صور الشبهة، وهذه الشبهة اعتبرها أئمة الإسلام رحمهم الله -ومنهم الأئمة الأربعة- أنها موجبة لسقوط الحد، لكنها تختلف في صور، فتارة تكون الشبهة شبهة البعضية، وتارة تكون الشبهة شبهة الملك، ومن هنا فرق العلماء رحمهم الله فأعملوا صوراً من الشبهة، وأسقطوا صوراً أخرى، وقالوا: إن الشبهة لا تعتبر موجبة لسقوط الحد، والأصل الشرعي يقتضي أنه إذا توافرت شروط السرقة فإننا نقطع يد السارق، وعلى هذا لا نسقط الحد إلا إذا وجدت شبهة قوية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>