[حقوق الزوجة على زوجها]
قال رحمه الله تعالى: [فصل: ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي] حقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: حق الزوج على زوجته.
القسم الثاني: حق الزوجة على زوجها.
القسم الثالث: الحقوق المشتركة التي لا تختص بواحد منهما.
فأما حقوق الزوج على زوجته فمنها: حق القوامة، وطاعتها لزوجها وبعلها، وأن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وأن تطيعه في ذلك، وأن لا تأذن لأحد أن يدخل إلى بيته إلا بإذنه، وإذا دعاها إلى فراشه أن تجيب وأن تلبي، ومن حقه عليها أن لا تصوم نفلاً وهو شاهد إلا بإذنه، وأمّا قضاء رمضان فيفصل فيه بين الموسع والمضيق، فإن ضاق جاز لها أن تصوم بغير إذنه، وإن كان موسعاً فإن له الحق أن يؤخرها، لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هذا بالنسبة لحق الزوج على زوجته.
وأما حق الزوجة على زوجها: فإن للمرأة على زوجها حقوقاً، وهذه الحقوق التي للمرأة على الزوج فرضها الله سبحانه وتعالى وبيَّنها، فمنها ما يكون مصاحباً للعقد كحق المهر والصداق، وقد سبق وتقدم الكلام عليه، ومنها: حق النفقة بالمعروف، وهذا سيأتي إن شاء الله بيانه في كتاب النفقات، وكذلك حق المبيت والقسم، وهذا ما سيبينه المصنف رحمه الله في هذه الجمل الآتية.
وأمَّا الحقوق المشتركة، فهي التي تجب على الزوج، وتجب على الزوجة، فلا تختص بزوج ولا بزوجة، ومن هذه الحقوق المشتركة: حق العشرة بالمعروف، فإنه يعتبر من الحقوق المشتركة، فيجب على الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف، ويجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف.
قوله رحمه الله: (ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع) أي: يلزم الرجل أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع ليال؛ لأن الله أحل له نكاح الأربع، فدل على أن نصيب الواحدة ليلة من أربع ليال، هذا بالنسبة للحرة في مبيته معها، وسيأتي أن المبيت يكون بالليل، ويكون بالنهار، على اختلاف أحوال الناس، ويقصد من المبيت الجماع، إلا أنه في بعض الأحيان إذا كان به عذر، أو بها عذر، قصد من المبيت الأنس، والمباسطة، وكونه معها، كما سيأتي إن شاء الله التنبيه عليه.
فيلزمه أن يبيت معها ليلة من كل أربع ليالٍ، ولذلك قال كعب بن سور للرجل الذي جاءت زوجته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تشكوه تعريضاً: إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل فألزمه بليلة من بين أربع ليال.
قال رحمه الله تعالى: (وينفرد إن أراد في الباقي) هذا بالنسبة لإصابة الرجل المرأة، فقد قالوا: يصيبها في كل أربع ليالٍ مرة، وأما بالنسبة للرجل، فإن تضررت بوطئه، فقد أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة اشتكت من بعلها أنه أضر بها، فأجاز له أن يصيبها ثلاث مرات، فجعلهن كالحد إذا تضررت المرأة بالزيادة، وذلك من قبل صلاة الفجر، وحين توضع الثياب من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، فهذه ثلاثة أوقات، قيل: إنها تنبيه من الشرع على الحد الذي يتفق لغالب الناس، هذا بالنسبة للرجل.
وبالنسبة للمرأة فعلى الرجل في كل ليلة من أربع أن يصيب المرأة إن أمكنه ذلك، ولم يكن ثَمَّ عذر، وعلى المرأة أن تكون له منها ثلاث عورات، إذا كان شديد الشهوة، وتضررت المرأة بكثرة وطئه.
قال رحمه الله تعالى: [ويلزمه الوطء -إن قدر- كل ثلث سنة مرة] ويلزمه -أي: يجب عليه- الوطء إن قدر عليه، بخلاف الذي لا يقدر ككبير السن والزمن، فالشخص الذي لا يقدر لا يكلف؛ لأن الله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، فدلت هذه الآية الكريمة على أن تكاليف الشريعة كقولنا: (يجب عليه ويلزم به) لا تكون إلا حيث تكون الاستطاعة والقدرة، فإن كان رجل لا يقدر على الوطء، ولا يمكنه الوطء فهذا معذور ويعذر، لكن قال رحمه الله: (إن قدر عليه) أي: إن أمكنته القدرة فيلزمه أن يطأ في كل ثلث سنة مرة؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل حفصة بنت عمر رضي الله عنها: كم تصبر المرأة عن بعلها؟ فقالت رضي الله عنها: ثلاثة أشهر والرابع على مضض، تعني: يخشى عليها الحرام، فأرسل إلى الأجناد ألا يمكنوا الرجل أن يغيب عن امرأته أكثر من ثلث السنة، وهو أربعة أشهر، وهي المدَّة التي جعلها الله عز وجل مدة للإيلاء، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى، فلا ينقطع عن امرأته هذه المدة؛ لأنه يخشى أن تقع المرأة في الحرام، وكذلك هو لا يؤمن عليه أن يقع في الحرام، فإن رضيت المرأة، وتنازلت عن حقوقها، وطاب خاطرها، وكانت واثقة من نفسها بمعونة الله عز وجل لها، فتساهلت مع زوجها، وأذنت له، وسمح خاطرها، وطاب خاطره أن يغيب عنها أكثر من هذه المدة، فهذا شيء بينهما لا بأس بذلك، ولا حرج، كأن يغيب عنها السنة والسنتين والثلاث لطلب علم، أو لتجارة، أو كسب رزق، أو نحو ذلك، مادامت أنها راضية وواثقة من نفسها.
قال رحمه الله تعالى: [وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه، فإن أبى أحدهما فرق بينهما بطلبها] أي: إن سافر فوق نصف السنة، وهو معنى قوله: [إن سافر فوق نصفها]، وطلبته وقدر، أي: قالت له: أريدك أن تأتي وقدر أن يأتي فيجب عليه أن يرجع من سفره؛ لأن الضرر يزال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، وهو حديث أجمع العلماء على صحة متنه؛ لأن النصوص في الكتاب والسنة كلها تدل دلالة واضحة على صحته، فهذا أصل في أنه لا يجوز للرجل أن يضر بالمرأة، ولا أن يتسبب في الإضرار بها، فسفره مضر بها، والنهي عن الشيء نهي عن أسبابه، فالله نهى عن الضرر، وسفره هذا فيه ضرر، فيجب عليه أن يعود إلى زوجته، وأن يقوم بحقوقها.
وقوله رحمه الله تعالى: [فإن أبى احدهما فرق بينهما بطلبها] فإن سافرت وطلبها أن تعود، أو سافر وطلبت منه أن يعود، فحينئذٍ إن رجع فلا إشكال، وإن لم يرجع واشتكى صاحب الحق إلى القاضي أو إلى الحاكم، فإن الحاكم يفرق بينهما؛ لأن هذا حد جاوز الضرر مثل فرقة الإيلاء.