[القدر الواجب في زكاة الفطر]
يقول المؤلف عليه رحمة الله: [ويجب صاع من بر أو شعير].
شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في بيان القدر الواجب من زكاة الفطر، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط) وهذا يدل على القدر الواجب في زكاة الفطر، وهو الصاع، والصاع النبوي أربعة أمداد، والمد: هو ملء الكفين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، وهو الصاع الذي عنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: (وكان يغتسل بالصاع)، وأما المد فإنه ربعه، فيقال: مدٌ ويقال: ربع صاع، كل ذلك بمعنى واحد، فيخرج صاعاً -أربعة أمداد- من بر أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط، وإذا كان هناك طعام تعارف الناس عليه كالأرز في زماننا، فإنه يخرجه ويجزيه؛ لأن مقصود الشرع إغناء السائلين بالطعام في هذا اليوم، ولا شك أن الأرز يقوم مقام المطعومات الموجودة على عهده صلى الله عليه وسلم، وهو يحقق مقصود الشرع من إغناء السائل في يوم العيد، ولذلك يخرج الإنسان منه ولا حرج عليه في ذلك.
قال المصنف رحمه الله: [أو دقيقهما أو سويقهما].
إذا طُحن الشعير والبر فأخرج من دقيقهما أو سويقهما الذي طُحن ثم لُتَّ واستوى على النار ونضج، ثم بعد ذلك صار سويقاً، فيجوز أن يخرج منه صاعاً، سواءً هذا أو ذاك، والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إخراج الصاع من الطعام نفسه.
قال المصنف رحمه الله: [أو تمرٍ أو زبيب أو أقط، فإن عدم الخمسة أجزأ كل حب وثمر يُقتات].
فبيّن رحمه الله بهذا أن الحكم لا يختص بالإخراج من هذه الخمسة فقط، ولكن العبرة بالطعام، ويدل على ذلك حديث أبي سعيد: (كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام)، قالوا: وهذا يدل على العموم، وإن كان بعضهم يرى أن ما بعده مفسر له، والبعض يحمله على البر، وعلى العموم قال العلماء: العبرة بكونه يرتفق به مطعوماً، فإذا حصل ذلك فقد أجزأ.
قال المصنف رحمه الله: [لا معيب ولا خُبز].
أي: لا يجوز أن يخرج المعيب من الحبوب، فلو أخرج شعيراً فيه السوس، أو تغيّر أو تعفّن فلا يجوز له أن يخرجه؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد نهى الله عز وجل المسلم أن يقصد إلى الخبيث، والمراد بالخبيث من الطعام الرديء منه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:٢٦٧]، فدلّ على أنه لا يجوز إخراج الرديء من الطعام، ويستوي في ذلك صدقة الفطر وغيرها من الصدقات الواجبة، فيخرجه من أوسط الطعام، لا يُطالب بالجيد الأعلى ولا يطالب بالرديء الأدنى، ولكن يخرج من المتوسط، والدليل على ذلك: أن الله نهى عن الرديء، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كرائم الأموال، فقال: (وإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)، فيخرج من المتوسط، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا، فلا يجزئ أن يخرج صاعاً معيباً، كأن يكون تمراً فيه سوس، أو طالت مدته حتى تغيَّر.
قال المصنف رحمه الله: [ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد وعكسه].
فلو أنه أخذ الصاع فقسمه بين أربعة مساكين لكل مسكين ربع صاع أجزأه، وهكذا لو قسمه بين مسكينين فأعطى كل مسكين نصف صاع أجزأه، فيجوز أن يُخرج ما للواحد للجماعة، ويجوز أن يخرج ما للجماعة للواحد، فلو أنه هو وأهل بيته يجب عليه إخراج خمسة آصع، فوجد مسكيناً فأعطاه الخمسة الآصع أجزأه ذلك، ولكن بشرط ألا يتوسع في حق المسكين على حساب غيره.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.