للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيفية التوفيق بين سد الفرجة في الصف والوقوف مع رجل منفرد خلف الصف]

السؤال

إذا وجدت فرجة في الصف الأخير، ووجدت رجلاً واقفاً في صف لوحده، فهل أسد الفرجة التي في الصف، أو أقف مع الرجل المنفرد؟

الجواب

لاشك أنك إذا وقفت مع أخيك صححت صلاته؛ لأن صلاة المنفرد لا تصح خلف الصف، فتنوي في قرارة قلبك أنه لولا وجود هذا الرجل لما تركت آخر الصف.

وبعض العلماء يقول: يجب عليك أن تدخل في الصف؛ لأنك مأمور بإتمام الصفوف، وحينئذٍ تنافس أخاك فتستبق إلى الفرجة وتمنعه من أن يسبقك إليها؛ لأنه إذا سبقك إليها كنت أنت الذي تتعرض صلاتك للبطلان؛ لأنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف.

وبعض العلماء يقول: من حقك أن تتخلف من أجل أن تصحح صلاة أخيك، وتنوي في قرارة قلبك أنه لولا وجود أخيك -كما ذكرنا- لسددت هذه الفرجة، ثم تنتظر حتى إذا جاء أحد معه تتقدم وتسد هذه الفرجة.

وبعض العلماء يقول في الشخص الذي يأتي ولا يجد أحداً: يجذب من الصف واحداً ليصلي معه وهي رواية عند الحاكم في المستدرك حسنها بعض العلماء، والحقيقة أن في تحسينها نظراً؛ لأن الضعف فيها قوي.

فكثير من العلماء رحمهم الله يرى أن الصلاة صحيحة للمنفرد خلف الصف فيمنعون من الجذب؛ لأنهم لا يرون أنها باطلة، لكن الذي ينبغي أن ينظر في المسألة على قول من يقول بالبطلان.

فإذا كان الشخص الداخل يعتقد بطلان صلاة المنفرد في الصف فإنه مضطر ومحتاج لتصحيح صلاته.

فحينئذٍ كونه يجذب فلا شك -من ناحية الأصول- أن له وجهاً، ولأن المحذور في سد الفرج أن يكون الشخص ممتنعاً منها مع القدرة دون وجود عذر، وهنا قد يوجد عذر وهو وتصحيح صلاة المصلي، فقالوا: إن هذا لا يعتبر انتهاكاً للحدود وانتهاكاً للمحارم كما لو امتنع من سد هذه الفرجة مع الاختيار، وإنما كان مضطراً إلى ذلك تصحيحاً لصلاة غيره.

وعلى كل حال فمن جذب لا ينكر عليه، وأرى أن هذا له وجه، ولا بأس به ولا حرج عليه، وكون الشخص يبقى دون الصف منفرداً ولا يجذب أحداً ويصلي لا شك أن هذا من حيث الأصول أقوى، لكن صلاته ستبطل.

وينبغي أن ننتبه لأمر، وهو أن بعض العلماء يقول: إن الناس ينظرون إلى بعض الأحكام أن فيها شدة، والأمر على عكس من ذلك، وفيها الرفق والأجر؛ لأنه إذا صلى صلاة تامة دون الصف فإنها لا يعتد بها صلاة حكماً، لكن الله يأجره الصلاة مرتين.

وليس هناك مصل تصح منه الصلاة مرتين إلا إذا كان هناك عذر شرعي في التكرار، وهذا له نظائر، ولذلك من يحكم عليه ببطلان الصلاة يكتب له الأجر مرتين؛ لأنه في هذه الحالة دخل المسجد وألزم شرعاً بالدخول مع الجماعة، وحكم ببطلانها عبادة، ولذلك لا تعقل علة بطلان صلاة المنفرد خلف الصف.

وفي هذا حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه في السنن وعند أحمد في المسند: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وهو دون الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (استقبل الصلاة؛ فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، ومذهب الإمام أحمد وطائفة من أهل الحديث كـ إسحاق وغيره رحمة الله عليهم أن المنفرد لا تصح صلاته خلف الصف إذا كان رجلاً.

وبناءً على ذلك قالوا: لظاهر هذا الحديث يحكم ببطلان الصلاة من ناحية الإلزام الشرعي.

أي أن صلاته يجب عليه أن يعيدها، لكن كونه قد قام بالصلاة وصلاها وركع وسجد وقرأ كتاب الله عز وجل فهذا العمل الذي أقامه مأمور به شرعاً؛ لأنه إذا دخل المسجد فالواجب عليه أن يدخل مع الجماعة، فهو صلى بأمر شرعي، وصلى صلاة شرعية وأداها على وجهها المعتبر، وهذا عمل يثاب عليه ثواب من عمل، لكن لا تعتبر صلاة حكمية، أي: لا تبرأ وتسقط الذمة بها، فيلزم بإعادتها.

ولذلك يقولون: الأمر بإعادة الصلاة تعبديَّ.

أي: لا يعقل معناه، فلو أنه كان أحدث قلنا: بسبب الحدث.

ولو أنه ترك واجباً قادراً عليه عامداً متعمداً.

قلنا: لترك الواجبات، فتبطل صلاته فلا أجر ولا ثواب؛ لأنه تسبب في إخلالها وإفسادها، لكن الفساد هنا ليس بيده وليس منه، وإنما هو بحكم شرعي.

ولذلك يقولون: يكتب له أجر العمل لقوله تعالى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران:١٩٥]، فهو قد قام بعمل شرعي فيثاب ثواب العامل، لكنها لا تصح صلاة شرعية، بمعنى أن ذمته لا تبرأ، فيلزم بإعادتها مرة ثانية، ويكون له أجر العمل مرتين.

وهذا على القول الذي يقول: إن الصلاة لا تصح خلف الصف للمنفرد.

وبناءً على ذلك يحق له أن يجذب تصحيحاً لصلاته؛ لأنه مأمور أن يتعاطى الأسباب لتصحيح الصلاة.

ثم إذا جذب يستحب بعض العلماء أن يكون الجذب من أطراف الصف؛ لأنه إذا جذب من طرف الصف يكون أخف من الجذب من وسط الصف.

وبناءً على ذلك يقولون: إنه يجذب من الطرف.

واختار بعض مشايخنا رحمة الله عليهم أن يكون جذبه من وراء الإمام، فيأتي من منتصف الصف ويجذب؛ لأنه إذا جذب من وراء الإمام وجاء شخص آخر سيتقدم هذا، وسيكون إكمال الصفوف من وراء الإمام توسيطاً للإمام، وهي مسألة من جهة المتسحبات، وليس فيها إلزام أن يكون من وراء الإمام أو من طرف الصف، لكنهم يستحبون دائماً أن يكون ابتداء الصفوف من وراء الإمام، ويتحرى أول من دخل في الصف بعد تمامه أن يكون وراء الإمام حتى يكون توسيطاً له.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>