[حكم المرأة إذا انتهت عدتها ولم تراجع]
قال رحمه الله: [وإن فرغت عدتها قبل رجعته بانت وحرمت قبل عقد جديد].
البينونة تنقسم إلى قسمين، وهي مأخوذة من: بان الشيء، إذا وضح وظهر.
ويقال: بان فلان من فلان، إذا فارقه، والبين هو الفراق.
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاوٍ ملَّه الثواء أي: آذنتنا بفراقها، فالبين هو الفراق، ولذلك يقال: غراب البين، أي الفراق، فالبين في لغة العرب يطلق بمعنى الفراق.
بيني من الحائط بالوداد فقد مضى قرضاً إلى التنادي فهذا قول أبي الدحداح الصحابي رضي الله عنه يخاطب زوجته لما تصدق بحائطه فقال لها: (بيني)، أي: اخرجي من الحائط وفارقيه، والحائط: البستان، يعني: اخرجي وفارقي البستان، ويقال: بان إذا فارق.
فالبينونة هي: أن يبين الرجل من امرأته وتبين امرأته منه: فإما أن تبين بينونة كبرى كأن يطلقها ثلاث تطليقات، وحينئذٍ لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، على نص آية البقرة.
وإما أن تبين منه بينونة صغرى، والبينونة الصغرى هي التي لا تحل بها المرأة إلا بعقد جديد، إذا عقد عليها عقداً جديداً حلت له، وأما قبل العقد فلا تحل له، وهذا النوع من البينونة يقع إذا طلقها طلقة واحدة قبل أن يدخل بها، فإذا طلقها طلقة واحدة قبل الدخول فإنها بائنة منه، ولو طلقها طلقتين قبل الدخول بانت منه، بمعنى: أنها بمجرد طلاقه لها تحل لغيره، ويجوز لغيره أن ينكحها.
وأما البينونة الصغرى بعد الدخول فتقع بالخروج من العدة، وتقع أيضاً بطلاق الصلح، وطلاق القاضي، والتفريق للعيوب إلى غير ذلك مما فيه تفصيل سبق بيان بعض مسائله.
فلو طلق زوجته طلقة واحدة أو طلقها الطلقة الثانية وتركها حتى خرجت من عدتها، فإنها بمجرد خروجها من العدة لا تحل له إلا بعقد جديد، فلما كانت لا تحل له إلا بشرط أن يوجد عقد جديد علمنا أنها بائنة، ففيها شبه من المطلقة ثلاثاً، وفيها شبه من الرجعية؛ لأنه يحق له أن يتزوجها، ولكن يشترط في زواجه بها عقد جديد لأنها أصبحت كالمرأة الأجنبية.
فأشبهت المطلقة ثلاثاً في أنها لا تحل إلا بعقد جديد، فحينئذٍ قالوا: بينونة صغرى.
وأصل البين الفراق، فكل امرأة لا يحل لزوجها أن يرتجعها تعتبر بائناً، ثم تنقسم إلى بائن بينونة صغرى، وهي المرأة التي لا تحل لزوجها إلا بعقد ومهر جديد، وبائن بينونة كبرى، وهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ويحصل الوطء.
هذا بالنسبة لقوله: (بانت منه)، والبائن بينونة صغرى إذا كانت أثناء العدة فإن من حقه أن يردها ولو لم ترض ولو لم يأذن وليها، فلو قالت: لا أريد أن أرجع، فإنها تجبر ولو كرهت كما ذكر المصنف؛ لأن الله يقول: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:٢٢٨] فأعطى الحق للزوج أن يرتجع الزوجة ما دامت في عصمته وفي مدة العدة، فإذا خرجت من العدة صارت أجنبية فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين كأنها أجنبية.