[فضائل الذكر]
السؤال
نرجو منكم بيان الفضائل المترتبة على الذكر، وما أثر ذلك على طالب العلم؟
الجواب
ذكر الله سبحانه من أحب الطاعات، وأشرف القربات الموجبةِ لرفعة الدرجات، وغفران الذنوب والسيئات، وانشراح صدور المؤمنين والمؤمنات.
ولو لم يكن في ذكر الله عزَّ وجلَّ إلا أن الله عظَّمه وأكبَرَه من فوق سبع سماوات، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥].
قال بعض العلماء: إنه أكبر من كل شيء؛ لأن توحيد الله سبحانه وتعالى قائم على ذكر الله، فهو مشتمل على أحب الأشياء وأعظمها زلفى عند الله سبحانه وتعالى وهو توحيد الله سبحانه، فالذاكر لله موحد لله عزَّ وجلَّ.
وللذكر فضائل عظيمة: - منها: ما بين الإنسان ونفسه في أمور دينه.
- ومنها: ما يرجع إلى أمور الدنيا.
- ومنها: ما يرجع إلى أمور الآخرة.
وقد تكلم العلماء رحمهم الله على كثير من الفضائل المترتبة على الذكر، وبينوها وهي مأخوذةً من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا يستطيع الإنسان أن يستوعب ذلك كله خاصةً لضيق الوقت.
فمن أعظم وأفضل ما يكون في الذكر: أن الله تعالى أخبر أنه يذكر مَن ذكره، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢]، فمن كان في بلاء وذكرَ اللهَ -جلَّ جلالُه- وأثنى على الله بما هو أهله؛ جعل الله له من بلائه فرجاً ومخرجاً، ومن كان في ضيق وذكرَ اللهَ جلَّ جلالُه مخلصاً من قلبه وتوجه إلى الله بصدق وإخلاص؛ جعل الله ضيقه سعةً عاجلاً أو آجلاً، فالله تعالى جعل مزية الذكر في ذكره لعبده، فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢] سواء كان الإنسان في شدة أو رخاء، فإن كان في رخاء بارك الله رخاءَه، فأصبحت نعمتُه واسعةً عليه مباركاً له فيها، سواء كانت نعمةَ مال أو ولد أو صحة أو علم أو غير ذلك من نعم الله جلَّ جلالُه.
ومن أعظم فضائل الذكر المتعلقة بالدين: أنه الله جعله حرزاً حصيناً من الشيطان الرجيم، من الوساوس والخطرات المهلكات المرديات، فإذا تسلط الشيطان على الإنسان أهلكه، فإن آدم عليه السلام وسوس له الشيطان أن يأكل من الشجرة فحصل ما حصل له من البلاء، وهو في المرتبة الكريمة والمنزلة الشريفة العظيمة، فانظر -رحمك الله- إلى هلاك الإنسان إذا لم يتداركه الله برحمته.
فالإنسان إذا لم يتداركه الله برحمته سيهلكه الشيطان، وهذا كله بقدرة الله جلَّ جلالُه، فيحتاج إلى أن يستعصم بالله سبحانه وتعالى، ولذلك ترى الصالحين إذا أدمنوا ذكر الله، فأكثروا من تلاوة القرآن ومن التسبيح والتحميد والتكبير وذكرِ الله جلَّ جلالُه، وجدتهم في ثبات على الطاعة وقوة على الخير، وتجد النفس نشيطةً على الإحسان والبر، راضيةً مرضيا عنها.
لكن ما أن يغفل ولو كان من أصلح عباد الله إلا تسلط الشيطان عليه، فلربما هدم الشيطان بوساوسه ما سبق له من البنيان، ولربما استزله إلى شهوة أو شبهة، فأردته -والعياذ بالله- فخُتم له بخاتمة السوء، نسأل الله السلامة والعافية.
فما أحوج الإنسان إلى الذكر حتى يستعصم بالله عزَّ وجلَّ من الشيطان.
كذلك من فوائد الذكر: أن الإنسان ضعيف، ومن ضعفه أنه إذا توالت عليه هموم الدنيا وتكالبت عليه غمومها، فإن ذلك قد يفت من عزيمته ويكسر من قوة شوكته، فيحتاج إلى شيء يطمئن به قلبه، ولن يكون ذلك إلا بذكر الله سبحانه وتعالى، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
يكون الإنسان في ضيق من أشد ما يكون الضيق وتجده من أضعف خلق الله؛ فقيراً وحيداً، وتجده في حالة قد يغلب على ظنك أنه لن ينجو؛ ولكن يستعصم بربه فيلهج لسانه بذكر الله ويلتجئ إلى الله ويحتمي بالله سبحانه وتعالى فيأتيه الفرج من حيث لا يحتسب.
ذو النون -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- وحيدٌ فريد وهو في الظلمات، ومع ذلك أخرجه الله عزَّ وجلَّ بفضله ومنته من تلك الظلمة بالتوحيد والذكر.
فالذكر طمأنينة للقلب، والإنسان إذا نزلت عليه كروب الدنيا وتشتت ذهنه وتفرقت نفسه هلك.
وقد كان السلف يستدلون على النصر والتأييد بالثبات عند حصول الفواجع والقوارع، فإذا وجدت العبد إذا نزلت به المصائب والشدائد ثابت القلب قوي الجنان ذاكراً للرحمن مستعصماً بالديان، فاعلم أنه منصور بإذن الله عزَّ وجلَّ؛ لأن السكينة تتنزَّل على قلبه، يثبت الله بها جَنانه، ويسدد بها لسانه وبيانه، حتى ينجو من هلكته، ويعصمه ربه بعصمته.
كذلك من فؤائد الذكر: أن الله سبحانه وتعالى يرفع به درجة العبد، وأحوجُ ما يكون الإنسان احتياجُه إلى رفعة الدرجة! فالإنسان لو أنه بُلِّغ الجنة وهو في درجاتها التي ليست بالعلى، أصابه الغم وخسر هذه الدنيا، إذْ لم يصل إلى الدرجة العالية الكاملة، وهذا الخسران النفسي، وليس الخسران بالمعنى الأعم المطلق، إنما المراد به أنه يحس أنه مغبون، ولذلك سمى الله يوم القيامة بيوم التغابن؛ لأنه ولو كان صالحاً أصابه الغم، أنه لم يستكثر من الخير والبر؛ ولكن بذكر الله يُدْرِكُ مَن فاته، ويسبق مَن بعده، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (سبق المفرِّدون.
قالوا: يا رسول الله! وما المفرِّدون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).
المفرِّدون: التالون لكتاب الله آناء الليل وآناء النهار.
المفرِّدون: المسبحون الحامدون المستغفرون المُثْنُون على الله عزَّ وجلَّ بما هو أهله.
كذلك أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط).
قالوا: إن انتظار الصلاة بعد الصلاة لا يكون إلا للذاكرين؛ لأن القلب معلق بذكر الله؛ والصلاة من أعظم الذكر.
فإذا كان انتظارها وشغف القلب بها موجباً لرفع الدرجة، فكيف بمن كان دأبه على عمارة وقته وساعات ليله ونهاره بذكر الله عزَّ وجلَّ؟! وأياً ما كان فلا يزال ذاكر الله سبحانه وتعالى في عصمة من الله في أمور دينه ودنياه وآخرته، حتى يأتيه الموت وهو على طاعة من الطاعات، فيُختم له بخاتمة السعداء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا (لا إله إلَّا الله) دخل الجنة).
ولذلك يقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا أكثر من تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، فالغالب أن يُختم له على كتاب الله.
وهذا مجرَّب، فكثيراً ما تجد حفاظ القرآن الذين يتلون كتاب الله آناء الليل وآناء النهار ما يختم لهم إلا بأحسن الخواتم، فإما أن تجده مصلياً فيُختم له وهو راكع أو يموت وهو ساجد، ووالله رأينا بأعيننا من خواتم السعداء من أمثال هؤلاء الذين يكثرون من ذكر الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ يعصمهم بعصمته ويحسن لهم الخاتمة بفضله ومنِّه.
نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم من ذلك أوفر الحظ والنصيب.
ومن أفضل الذكر وأحبه إلى الله سبحانه وتعالى: - ذكرُ العلم بحفظِ القرآن، ومدارسته ومذاكرته، والجلوس في مجالسه، والحث عليه دون سآمة أو ملل، وتقدير أهله من الأحياء والأموات، والترحم على الأموات، وذكرهم بالجميل، والدعاء لهم، والاستغفار لهم، كل هذا من ذكر الله عزَّ وجلَّ.
ومن ترحم على علماء المسلمين وذكرهم بالخير، وسأل ربه أن يغفر لهم ذنوبهم وأن يرفع لهم درجاتهم؛ قيَّض الله له بعد موته من يفعل به كفعله أو أفضل من فعله.
فيحرص الإنسان على هذا الخصلة العظيمة، خاصةً طلاب العلم، فأحق من يكون من الذاكرين هم طلاب العلم، فإذا انتهى من مجالس الذكر قام يتلو القرآن، وإذا جلس بين الناس جلس مستغفراً مسبحاً حامداً مهللاً مكبراً لله سبحانه وتعالى، وبذلك يكون أمة وقدوة للناس.
وجماعُ الخير كله أن يحرص الإنسان على ذكر الله عزَّ وجلَّ بالوارد الذي دلت عليه نصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يدع ما سوى ذلك، فإذا ذكر الله بالوارد عظُم أجره وثقُل ميزانه.
والله تعالى أعلم.