للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التقدم للإمامة مع وجود الإمام الراتب]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره].

قوله: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه] أي: يحرم على المكلف أن يؤم غيره في المسجد الذي له إمام راتب إلا بإذنه.

أي: بإذن الإمام الراتب.

فلا يجوز للإنسان أن يتقدم للإمامة إذا وجد الإمام الراتب إلا بعد إذنه، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه تخلف للصلح بين حيين من بني عوف، فلما تأخر جاء بلال فآذن أبا بكر بالصلاة، فأقام وتقدم أبو بكر يصلي بالناس، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فنبه الناس أبا بكر رضي الله عنه، فالتفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأتم، وتأخر أبو بكر.

ووجه الدلالة: -كما يقول العلماء- أن أبا بكر تأخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأحقية النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة، وذلك لمكان الرسالة من وجه، ولمكان الإمامة من وجه؛ ولذلك قالوا: إن هذا الحديث سنة، فلو قدم الإمام الراتب أثناء الصلاة وقد تقدم غيره، وأراد أن يؤخره ويتقدم صح ذلك وأجزأه، وبه أفتى جمع من العلماء رحمة الله عليهم، والسنة دالة على هذا.

والسبب في ذلك أنه أحق، والشرع قد أعطاه ذلك إن تعيّن من الإمام، أو من ينوب منابه، كما هو الحال لو عُين إمام راتبا لمسجد، فهذه الأحقية من جهة الولاية لا يجوز لأحد أن يتقدم عليها إلا بإذن من الشرع، وأذن لك الشرع أن تتقدم إماماً بدل الإمام الراتب عند عدم وجوده، فأما لو وجد فإن التقدم عليه يعتبر طعناً فيه وأذية له، وتقدماً من دون حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث عنه-: (من زار قوماً فلا يؤمهم)، فنص عليه الصلاة والسلام على أن لا يتقدم على إمامهم، ولذلك قال جماهير العلماء: الإمام الراتب أحق، ولا يجوز لأحد أن يتقدم عليه، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل أن يؤم الرجل في سلطانه، والإمام الراتب سلطان في مسجده.

وقالوا: هو في حكم الرجل في بيته وفي سلطانه، فلا يجوز التقدم عليه، ومن هنا لا يشرع للإنسان أن يتقدم للإمامة مباشرة، وإنما يتقدم إذا لم يوجد الإمام الراتب، أو وجد إمام راتب وأذن له أن يتقدم، كأن يكون أعلم وأحق وأولى لعلم وفضل ونحو ذلك، فإنه يشرع للإمام أن يقدمه إظهاراً لفضله وإظهاراً لنبله ولذلك تأخر أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لعظيم حقه صلوات الله وسلامه عليه، فإن تأخر له فحينئذ يتقدم.

فإذا لم يوجد الإمام الراتب ولم يوجد له نائب فحينئذ يجوز لك أن تتقدم إذا كنت أهلاً للإمامة، أو جد إمام راتب لكنه يلحن في الفاتحة لحناً يوجب بطلان صلاة من وراءه، فحينئذ يشرع لك أن تتقدم، وذلك صيانة لصلاته وصلاة من وراءه، فحينئذ لا حرج عليك أن تتقدم، إلا إذا وجدت مفسدة أو ضرر فحينئذٍ لا تعتد بصلاتك وراءه.

وقوله: [أو عذره].

أي: وجود العذر.

وإذا تأخر الإمام عن المسجد فحينئذٍ يرسل إليه إذا كان بيته قريباً، ولا حرج أن يطلب من الأئمة إذا تأخروا أن يحضروا، فإن عمر رضي الله عنه لما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العشاء خرج يصرخ ويقول -كما في الصحيحين-: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والصبيان.

فإذا كان تأخير الناس في انتظار الصلاة يحصل به المشقة والضرر فلا حرج أن يرسل إلى الإمام ويقال له: بادر إلى الصلاة.

فإن كان.

عنده عذر، أو طرأ عليه عذر فقال لهم: صلوا.

وأذن لهم بالصلاة، فحينئذ يقدمون من رضوه لإمامتهم ويصلي بهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>