[آداب الجماع]
يقول رحمه الله: [وتسن التسمية عند الوطء وقول الوارد] وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قدر بينهما ولد فلن يضره الشيطان)، فهذا من الذكر الوارد المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، فيقول: باسم الله؛ لأن اسم الله بركة، كما قال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨]، فالله جعل في اسمه البركة، والبركة زيادة الخير، فإذا سُمى الله تعالى على شيء وضع الله فيه البركة، فإن سَمَّى على جماعه اعتزل الشيطان لمكان ذكر الله عز وجل فيقول هذا الدعاء الوارد.
يقول رحمه الله: [ويكره كثرة الكلام، والنزع قبل فراغها] هذه كلها آداب يذكرها العلماء في آداب الجماع، والشريعة الإسلامية شريعة كاملة، كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] فهذا الدين الذي رضيه الله عز وجل تنزيل من حكيم حميد، أتمه وأكمله فأحسن إتمامه وإكماله، فالمسلم في ليله وفي نهاره، حتى في فراشه مع زوجته، يذكر الله سبحانه وتعالى ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي به، ويتأسى به فيما يقال من الوارد وفيما يُحفظ من الهدي.
فكره العلماء كثرة الكلام أثناء الجماع، ولا يحفظ في ذلك نص، وإنما هو قياس بعض العلماء إذ قالوا: إن الجماع مثل قضاء الحاجة، ومن آداب قضاء الحاجة قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يذهب الرجلان يقضيان الغائط أو يقضيان الحاجة يكلم احدهما الآخر فإن الله يمقت ذلك)، فجعل المقت على الكلام عند قضاء الحاجة، قالوا: والجماع حاجة، فلا يستحب الكلام أثناء الجماع فالكلام أثناء الجماع ليس في النهي عنه نص صريح، لكن فيه قياس واجتهاد، وهذا القياس له وجهه عند من يصححه ويعتبره.
إلا أن بعض العلماء رحمهم الله ضعف هذا، وقال: فرق بين كلام وكلام.
فإن الكلام أثناء الجماع قد يكون من المعاشرة بالمعروف، وقد يكون من التحبب والتلطف مما يعين على مقصود الشرع من حصول الألفة بين الزوج والزوجة، فقالوا: إن في هذا سعة، والأمر واسع في هذا، وليس هناك نص كما ذكرنا؛ فمن يصحح القياس ويعمله يقول بما ذكرناه، وإلا فالأصل الجواز خاصة إذا انبنى عليه ما ذكرناه من المصالح الشرعية.
قوله رحمه الله تعالى: [والنزع قبل فراغها] أي: يكره النزع قبل فراغ المرأة؛ لأن الرجل ربما أنزل قبل أن تنزل المرأة، فيكون قد أصاب شهوته ولم تصب المرأة شهوتها، ونبه العلماء على ذلك لما فيه من المفاسد، والعواقب الوخيمة، فإن المرأة تكره زوجها حينئذٍ، وتحس أنه يريد قضاء حاجته فقط، وأنه لا يلتفت إليها، ولا يريد أن يحسن إليها، ويكرمها في عشرته لها، فلربما حقدت عليه، ودخل الشيطان بينهما فأفسدها عليه، فيشرع بناءً على مقاصد الشرع العامة من حصول السكن والألفة، فعليه أن يعطي المرأة حقها، وأن يمكنها من الإنزال فلا ينزع قبل أن تنزل المرأة؛ لأن ذلك أبلغ في الحظوة، وأبلغ في المحبة، وأبلغ في المودة، ومقصود الشرع تحصيل ذلك، وتحصيل الأسباب المعينة عليه.
قال رحمه الله: [والوطء بمرأى أحد] أي: ليتجنب والوطء بمرأى أحد؛ لأن الله أمر بستر العورات، فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:٣١]، فأمر بستر العورة، وامتن على عباده باللباس والستر الذي يواري السوءات ويحفظها، وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين في قصة المعذبين في قبورهما، قال صلى الله عليه وسلم: (أما احدهما فكان لا يستتر من بوله)، قال بعض العلماء: (لا يستتر) أي: أنه يبول فتنكشف عورته، فيبول أمام الناس ولا يستر عورته، فجُعل الوعيد في القبر على كشف العورة -والعياذ بالله- والتساهل فيها، وهذا قول عند بعض العلماء، وإن كان الصحيح القول المشهور أنه عدم الاستنزاه وقطع البول، فقد كان يستعجل في ذلك ولا يستبرئ كما جاء صريحاً في الروايات الآخر.
إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز للرجل أن يجامع زوجته، أو يقع الجماع في موضع لا يؤمن فيه نظر الغير، وكذلك لا يجوز للزوجين أن يتساهلا في كشف العورة، أو وقوع الجماع على مرأى، أو مسمع من الأبناء أو البنات، فإن ذلك من أعظم ما يضر بالأولاد ولربما أفسدهم، خاصة إذا كانوا في سن صغيرة، فإن له عواقب وخيمة، وأضراراً نفسية تضر بالولد ذكراً كان أم أنثى، فلا ينبغي أن يجامع المرأة بجوار أولادها، أو جوار أبنائها، وعليه أن يتعاطى أسباب حفظها، وحفظ عورته وعورتها.
فأصول الشريعة وأدلة الشريعة كلها تدل من حيث العمومات على أنه لا يجوز للمسلم أن يتساهل في عورته، بل عليه أن يحفظ عورته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) فأجاز له كشف العورة للزوجة أو الأمة، ومفهوم ذلك أنها لا تحل لغيرهما.
فلا يجوز أن يجامع ويواقع في مكان لا يأمن فيه النظر، كأماكن الطرقات، والسابلة، أو يكون في موضع لا يأمن فيه من دخول الغير، وهجوم الغير عليه، خاصة إذا كان مكاناً مختلطاً، أو لا يأمن من دخول الأبناء والبنات، ونحو ذلك، كل ذلك ينبغي تعاطي الأسباب فيه.
قال رحمه الله: [والتحدث به] أي: وليتجنب التحدث بالجماع، كأن يتحدث الرجل بما يكون بينه وبين المرأة، أو تتحدث المرأة بما يكون بينها وبين زوجها، وهذا لا شك يدل دلالة واضحة على ذهاب المروءة وقلة الحياء وصفاقة الوجه -نسأل الله العافية- فإن من لا يستحيي لا يستغرب منه ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فالذي لا حياء عنده -بل ولا عقل عنده- هو الذي يقول هذا، فإن أمور الزوجية أسرار، ولا يجوز أن تباح، والأسرار أمانة، فينبغي للزوج أن يحفظ أسرار زوجته، وللزوجة أن تحفظ أسرار زوجها، وكم من امرأة صالحة دينة اطلعت على خلل من زوجها في الفراش، وصبرت وصابرت واحتسبت، ولم تُطلع على ذلك أحداً حتى في حال أذية الزوج لها، تكتم ذلك ولا تفشي له سره، ترجو رحمة الله عز وجل، وتحس أن هذه أمانات، فتخاف من الله عز وجل إذا أفشتها، أو لمحت بها، أو اطلع الغير عليها، وكذلك بالنسبة للرجل مع المرأة لا يجوز له أن يفشي هذه الأسرار، ولا يتحدث بكيفية إتيانه لأهله، أو بالأمور الخاصة التي بينه وبين زوجه، كل ذلك من الأمانات التي ينبغي على الزوج أن يحفظها، وعلى الزوجة أن تحفظها.