[العقود التي يثبت فيها خيار الشرط]
قال رحمه الله: [ويثبت في البيع والصلح بمعناه]: (ويثبت في البيع)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ابتعت، فقل: لا خلابة).
(والصلح بمعناه)؛ لأن الصلح بمعنى البيع، وهو الصلح بعوض، كما بيناه.
قال: [والإجارة في الذمة]: مثلاً: اتفقت مع مقاول أن يبني لك عمارة على صفة معينة، فقال لك: سأبني هذا البناء بصفة كذا وكذا، أو بهذه المخططات الموجودة للبناء بعشرة آلاف ريال، فقلت له: قبلت؛ لكن أشترط أن لي الخيار ثلاثة أيام، فحينئذ تتوقف الإجارة حتى تمضي الثلاثة الأيام، فهذه إجارة في الذمة.
فمن حقك أن تعلق الإجارة في الذمة، مثل: بناء البيت، وحفر البئر، وخياطة القميص، فلو أن شخصاً جاء وقال: احفر لي في أرض بئراً، فقلت: أحفر لك مائة متر، كل متر بمائة ريال، فقال: قبلت، لكن لي الخيار ثلاثة أيام، يريد أن يسأل الناس ويسأل أهل الخبرة هل من مصلحته أن يمضي الإجارة أو لا، حق له ذلك كما ذكرنا في البيع.
قال رحمه الله: [أو على مدة لا تلي العقد] أي: كأن استأجر منه الدار شهراً، أو سنةً لا تلي العقد؛ لأنه لو قلنا: إن الإجارة يثبت فيها خيار الشرط بعد العقد مباشرة، وتكون المدة بعد العقد، تداخل الإلزام وعدم الإلزام.
توضيح ذلك: لو جئت إلى رجل، وقلت له: أجرني الشقة في العمارة بعشرة آلاف ريال لمدة سنة، فقال: قبلت، لكنك قلت: ولي الخيار ثلاثة أيام، فيشترط في السنة التي عقد عليها، ألا تجعلها بعد العقد مباشرة؛ لأنها لو كانت بعد العقد مباشرة لكان ابتداء العقد بعد الافتراق، وبالشرط يبتدئ العقد بعد ثلاثة أيام، فيصبح خلال الثلاثة الأيام، لا ندري هل عقد الإجارة لازم، بناء على ظاهر اتفاقكما أو غير لازم لوجود الشرط لاحتمال أن ترجع؟ وهذا بلا إشكال أنه غرر، ولا يصح، ولذلك احتاط المصنف رحمه الله، ونص العلماء على اشتراط ألا تكون المدة تالية العقد؛ لأنه سيحدث تداخل، إذ كيف يصح أن أقول: لك الخيار ثلاثة أيام، ثم تحسب الثلاثة الأيام من الإجارة، مع أن الإجارة ما لزمت خلال الثلاثة الأيام؛ لأن من المعلوم أنه لا يصح أن تقول: خلال مدة الشرط وهي الثلاثة أيام: إن العقد لازم.
أي أنك إذا قلت: الإجارة تلي العقد، فمعنى ذلك أنها لازمة بعد العقد، وإذا قلت: إن الشرط لازم بناء على ما ورد في السنة فمعناه أن الإجارة لازمة، وهنا الإجارة غير لازمة إلا بعد ثلاثة أيام، فيصبح هنا تناقض.
إذاً: عندنا أمران: الأمر الأول: عقد الإجارة.
الأمر الثاني: الشرط.
نوضح أكثر: لو أنك تريد أن تستأجر شقة ثلاثة أيام، فقلت له: أجرني هذه الشقة ثلاثة أيام، السبت والأحد والإثنين، فقال: أجرتك بثلاثمائة ريال، وهذا الاتفاق كان يوم الجمعة ليلة السبت، فقلت: قبلت على أن لي الخيار ثلاثة أيام، التي هي السبت والأحد والإثنين فهذه لا تصح إلا إذا كانت المدة التي اشترطتها غير مدة العقد، فحينئذ قال المصنف: (على مدة لا تلي العقد)؛ لأنك لو قلت: يضع الشرط بعد العقد مباشرة، صار تناقضاً خلال الثلاثة أيام، فالعقد لازم من وجه وغير لازم من وجه، والشرع لا يتناقض، ولذلك اشترطوا في المدة أن يكون فيها فسحة للنظر وإعطاء المهلة قبل لزوم العقد لكيلا يحدث تناقض، وهذا أمر لا إشكال فيه وهو أمر صحيح معتبر، خاصة إذا مثلنا بشيء يطابق الشرط المذكور، لكن لو قال له: أشترط رضا والدي، قد يتوهم البعض أنه لا فرق بين قوله: أشترط رضا والدي، وبين اشتراط مدة تلي العقد، فيتوهم أن هذا الشرط لا علاقة له بالمدة، لكن حينما تقول: إن خيار الشرط الأصل فيه مدد الزمان، والإجارة كذلك بمدد الزمان وهي المدة المعينة، فلا بد فيها وأن يكون العقد بعد نهاية مدة الشرط، فتكون الإجارة على مدة لا تلي العقد، أي: لا تكون بعد العقد مباشرة، حتى يصح خيار الشرط من هذا الوجه.
قال رحمه الله: [وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صح]: أي: يجوز في خيار الشرط أن يشترطه أحدهما دون الآخر، وقد ذكرنا أن له ثلاث صور: - أن يشترط البائع دون المشتري.
- أن يشترط المشتري دون البائع.
- أن يشترطا معاً.
فيكون لهذا شرطه، ويكون لهذا شرطه.