إذا دخل فالسنة أن يقدم رجله اليمنى ويؤخر اليسرى، كالدخول في سائر المساجد، ويسمي الله تعالى، ويسأل الله تعالى أن يفتح له أبواب رحمته، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وذلك بعد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فإذا قال الدعاء الوارد في الدخول فليبتدئ بالطواف.
والدعاء الوارد الذي يشير إليه المصنف جملتان: الأولى: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، حيَّنا ربنا بالسلام)، وقد أُثر هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مرفوع وفيه كلام.
الجملة الثانية:(اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيما ومهابةً وبراً، وزد من شَرَّفه وكَرَّمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابةً وبراً)، وهذا الحديث رواه الطبراني، وكذلك الشافعي في مسنده، ولكن فيه كلام، وهو من رواية عاصم القوزي وهو كذاب، ولذلك فالعمل عند بعض العلماء أن يقول الدعاء المحفوظ في الدخول إلى المساجد عموماً، وما دام أن الحديث لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يتعبد بما هو من اختلاق الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول ما ورد في الدخول إلى المساجد عموماً.
وأما التكبير عند رؤية البيت فقد تسامح فيه بعض العلماء، ونقله شيخ الإسلام رحمه الله عن الإمام أحمد، وعن بعض السلف، ولكن ليس فيه شيءٌ صحيح، وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يضعفه، ويقول: لا أستحبه ولا أكرهه، فقوله: لا أستحبه؛ لأنه لم يثبت فيه شيءٌ صحيح، وقوله: لا أكرهه، كأنه خفف فيه؛ لأن فيه رواية مرسلة، ورواية عن سعيد بن المسيب، ويروى أيضاً عن عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وإذا دخل البيت فإنه يمضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عند دخوله، وبعض الناس يقف للدعاء، ويرفع يديه مستقبلاً البيت، وهذا لم يثبت فيه شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت، وحفظت سنته، وحفظ هديه صلوات الله وسلامه عليه، فتكلف الوقوف ورفع اليدين بالدعاء لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام، والعلماء رحمة الله عليهم -خاصة السلف- يشددون في هذا فيرون أنه لا يشرع فعلُ أفعالٍ مخصوصة في المواضع المخصوصة، خاصةً في المناسك والمشاعر التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن الصحابي كان يحفظ لنا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا اختلف عن عادته.
كقول جابر رضي الله عنه لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب بين عرفات ومزدلفة:(فتوضأ وضوءاً خفيفاً) فانظر إلى دقة الصحابة وحفظهم لكل شيء في هديه صلى الله عليه وسلم، حتى لو رفع إصبعه، أو رفع بصره ذكروا رفعه لبصره وإصبعه صلوات الله وسلامه عليه، وذلك لحفظهم ودقتهم، فثبتت الأحاديث الصحيحة كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخوله في عمرته وحجه، ولم يذكر عنه أنه عليه الصلاة والسلام لما دخل البيت وقف وقوفاً طويلاً، أو تكلف الدعاء، أو تكلف رفع اليد، أو تكلف فعلاً معيناً، وإنما دخل كما يدخل في سائر المساجد، وهذا يدل على أن السنة والهدي أن يُتأسى به عليه الصلاة والسلام في هذا، وألا يتعبد الإنسان ربه إلا بشيءٍ له أصل يعتمد عليه من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.