قال رحمه الله:[وإن عتقت تحت حر فلا خيار لها بل تحت عبد] هذه الكتب ما كانت تؤلف وهذه المتون أصلاً ما كان يعترف لأحد من أهل العلم أن يضعها إلا إذا كان له شخصيته الفقهية والعلمية، وحتى المتن لا يشتهر ولا يشرح إلا إذا كان مثله أهلاً، وكذلك كتابنا رحمة الله على مؤلفه.
الآن عندنا خيار الشرط وخيار العيب، والمصنف قال: باب الشروط والعيوب في النكاح، لكن مسألة عتق المرأة ليس لها علاقة لا بالشروط ولا بالعيوب، إلا أن بعض العلماء يقول: خيار العتق دخل في العيب من جهة أنه إذا كانت أمة عند عبد فعتقت الأمة فإنه من النقص لها والعيب أن تكون تحت عبد، هذا من حيث نظرتهم، لكن الواقع أن المصنف قصد إدخالها من جهة التبعية، مثلما يدخلون أحكام السواك في الوضوء من جهة أن الوضوء طهارة لأعضاء البدن والسواك مطهرة للفم، فناسب ذكر الطهارة الخاصة مع الطهارة العامة، وهنا نقول: ذكر الخيار الخاص مع الخيار العام.
ونقول: إن الخيار في النكاح يأتي من جهة العيب، ويأتي من جهة الشرط، ويأتي من جهة العتق، فعندنا ثلاثة أشياء: خيار الشرط إذا لم يتحقق الشرط، وخيار العيب: إذا وجد في الرجل عيب فمن حق المرأة أن تفسخ وكذلك العكس بالنسبة للمرأة مع الرجل، وخيار العتق: فإذا كانت مملوكة ثم عتقت تحت عبد فإنه يكون لها الخيار؛ لثبوت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإنه لما عتقت بريرة -وكانت تحت مغيث مولى بني مخزوم- طلبت الفسخ، وكان مغيث يحبها حباً جماً فتعلق بها وكان مشغفاً بها، وسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع إليه فقالت:(يا رسول الله! أتأمرني أو تشفع؟) أي: هل تأمرني فأعود أو أنت شافع؟ قال:(إنما أنا شافع) فلم تعد إليه؛ لأنه ما دام شافعاً فلا تلزم طاعته، ولا شك أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أحرى أن تقبل، لكنه عليه الصلاة والسلام لا يلزم الناس ولا يكرههم.
الشاهد: دليلنا على إثبات الخيار بالعتق هذا الحديث الصحيح، فيكون للمرأة الخيار إذا عتقت بشرط أن يكون زوجها رقيقاً، فإن كان زوجها غير رقيق أي: كان حراً، وعتقت وهي تحته فلا خيار في هذه الحالة، وهذا النوع من الخيار فيه عدل، فالله سبحانه وتعالى جعل هذا الخيار للمرأة؛ لأنها وهي أمة ليست كحالها وهي حرة، فإن الرق سببه الكفر ولذلك فيه نقص؛ لأنه لا رق إلا بسبب الكفر، ونظراً لوجود هذا النقص، فإن عتقت أعطيت حقها، فإن شاءت بقيت وإن شاءت فسخت النكاح.