قال المصنف رحمه الله:[ومن رأى عليه نجاسةً بعد صلاته وجهل كونها فيه لم يعد] ذكر رحمة الله عليه الأحوال للنجاسة، وقرر لك الأصل أنه ينبغي عليك اتقاء النجاسة، وذكر لك صور ملاقاة النجاسة من جهة التأثير وعدم التأثير.
ثم شرع الآن في مسائل متعلقة بالنجاسات وهي خارجة عن الأصل من جهة الاضطرار، إما بنسيانٍ أو خطأ، فلو أن إنساناً صلى وعليه نجاسة، ولم يعلم بالنجاسة إلا بعد انقضاء الصلاة فحكمه فيه قولان للعلماء: أصحهما أن من صلى وعليه نجاسة وعلم بها بعد انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة، والدليل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه صلى بأصحابه وفي أثناء الصلاة خلع نعليه، فلما رآه الصحابة خلع نعليه ظنوا أن هناك تشريعاً جديداً بخلع النعال وعدم جوازه في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سألهم: ما شأنكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد أتاني جبريل فأخبرني أنهما ليستا بطاهرتين).
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر تكبيرة الإحرام، وفعل من أركان الصلاة ما فعل؛ لأن تنبيه جبريل وقع أثناء الصلاة، وقد فعل بعض أركانها، فلو كان الناسي أو الجاهل لوجود النجاسة يتأثر بوجودها لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ولكان كبر من جديد، ولأعاد من أول الصلاة، فكونه عليه الصلاة والسلام بنى على ما كان دل على أن ما مضى بمكان الجهل وعدم العلم معفوٌ عنه، ولذلك فأصح الأقوال أن من نسي النجاسة أو لم يعلم بالنجاسة أن صلاته صحيحة، ولا تلزمه الإعادة، لكن لو علم بها أثناء الصلاة لزمه قولاً واحداً أن يزيل هذه النجاسة التي علقت به، وذلك بشرط عدم وجود الفعل الكثير الذي يخرجه عن كونه مصلياً كما سيأتي إن شاء الله في صفة الصلاة.