بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الصلح] الصلح في لغة العرب: قطع النزاع ورفع الخلاف.
يُقال: صالح الرجل الرجل، يُصالحه مصالحة، إذا وقع بينهم الاتفاق على رفع الخصومة، ولذلك لا يختلف تعريفه الاصطلاحي عند الفقهاء والعلماء عن المعنى اللغوي.
ومن هنا قال بعض العلماء في تعريفه: الصلح: معاقدة توجب رفع النزاع.
وقولهم:(معاقدة)؛ لأنها تكون بالاتفاق بين الطرفين، وهما المدّعِي والمدَّعَى عليه، وتكون بين مالك الشيء والأجنبي.
وقولهم:(توجب رفع الخلاف): الخلاف: النزاع والخصومات، فيختصم الرجلان في المال، يقول أحدهما: هذا لي، فيقول الآخر: بل هو لي، أو يختلفان في جزئه، كأن يكون شطر أرضٍ، فيقول أحدهم: الأرض كاملة لي، فيقول الآخر بل نصفها لي، ونحو ذلك من الخصومات، فإذا وقع الصلح بين الطرفين، وتراضى الطرفان؛ فإن معنى ذلك أن يرتفع الخلاف والنزاع، وتنقطع الخصومة، ومن هنا قال العلماء رحمهم الله في هذا التعريف:(معاقدة توجب رفع الخلاف).
وبعض العلماء يقول: معاقدة توجب رفع الخلاف ودفعه، وهناك فرق بين الرفع والدفع، كما نبه عليه السيوطي في قواعد الفقه، وكذلك ابن نجيم في الأشباه والنظائر، وهو أن الرفع يكون لما وقع، والدفع يكون لشيءٍ لم يقع.
فإن الصلح تارةً يُقصد منه رفع الخلاف بين الطرفين، كرجلٍ خاصم رجلاً ووقع النزاع بينهما، فجاء رجلٌ ثالث وأصلح بينهما، فإن الخصومة قد وقعت، ولكنها بالصلح ارتفعت، فيقال: رفع خلاف.
وتارةً يكون الصلح قبل النزاع، فإذا جاء رجل إلى رجل، وقال له: هذه الأرض لي، فقال الآخر: بل لي، وقبل أن يقع بينهما الشجار توسّط ثالثٌ فقسمها بينهما، فحينئذٍ يكون دفعاً للخلاف، أي أن الصلح وقع في مرحلة سابقة للخصومة والنزاع.
وأياً ما كان فالصلح يقع قبل الخصومة، أي: قبل وقوع النزاع والخلاف والشجار والآثار المترتبة، وقد يقع بعد ذلك، ولكن الله سبحانه وتعالى يدفع بهذا الصلح النزاع، ويدفع أيضاً عن عباده أثر وضرر العداوات والشحناء، وما يكون مترتباً على النزاع بينهم.