قوله رحمه الله:(باب عقد) العقد في لغة العرب: التوثيق والإبرام، ومنه: عقد الحبل، ويطلق العقد على المحسوسات، كما تقول: عقدتُ الحبل إذا جمعتَ بين طرفيه وعقدتَه وأوثقتَه، وقد يطلق على المعنويات، فتقول: هذا عقد بيع، وينبني على الإيجاب والقبول، وقد ورد في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:١] والمراد به المعنوي.
وإذا قال العلماء: عقد النكاح، عقد الإيجار، عقد الرهن، عقد الشركة، عقد المضاربة، فمرادهم بهذا اللفظ: الإيجاب والقبول على هذه الأمور، فإذا كان الإيجاب: بعتك، والقبول: قبلت واشتريت، فهو عقد بيع، وإن كان الإيجاب: أجرتك، وقال الآخر: قبلت واستأجرت، فهو عقد إجارة، وإن كان على نكاح فعقد نكاح، وهلمَّ جرَّاً.
لكن لما قال المصنف هنا:(باب عقد الذمة) خصص عموم هذا اللفظ وبيَّن أن المراد به نوع خاص من العقود وهو عقد الذمة.
والذمة في اللغة: الأمان والعهد، وأما في الاصطلاح: فهو أمان مخصوص، لطائفة مخصوصة، على هيئة مخصوصة، وهذا الأمان المخصوص المراد به: أن يؤمَّن من أعطي هذا العهد على نفسه وماله وأهله وعرضه، فالكافر إذا جرى بينه وبين المسلمين عقد الذمة فله ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما ثبتت بذلك الأخبار، فلا يسفك دمه، ولا ينتهك عرضه، ولا يؤخذ ماله، ويكون له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين.
وأما قولهم:(لطائفة مخصوصة) فالمراد به: أهل الكتاب، ومن في حكمهم وهم المجوس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسن بهم سنة أهل الكتاب، وذلك في الجزية، كما قرره الأئمة رحمهم الله.
و (على هيئة مخصوصة) المراد بها: ضوابط عقد الذمة، وذلك بالصورة التالية: فالعقد في الأصل يستلزم جانبين: الجانب الأول: المسلمون.