أي: وتصح الوصية لعبده بمشاع كثلث، كأن يقول: ثلث مالي لعبدي فلان، وذكر العبد هنا؛ لأن الإشكال في العبد أنه بعد وفاة سيده يكون ملكاً للورثة، فإذا وصّى له فإن جميع ما يوصَى به لهذا الرقيق سيكون إلى الورثة، فصارت الوصية في ظاهرها لغير وارث وفي حقيقتها أنها لوارث، ومن هنا يذكر العلماء مسألة الرقيق من هذا الوجه، ومرادهم التمثيل على وصية في ظاهرها للغير ولكنها في حقيقتها آيلة إلى الورثة.
لكن إذا قال: وصّيت بثلث مالي لفلان، من أرقائه وعبيده، أو قال: أوصيت أن يُعتق فلان من ثلثي ونحو ذلك، فحينئذٍ يُنظر، فإذا استغرق الثلث الذي وصِّى به قيمة العبد فهو حر، فلو كانت قيمته تسعة آلاف ريال، وكان قد ترك سبعة وعشرين ألفاً، فالثلث تسعة آلاف، فحينئذٍ يعتق من هذا الثلث، وأما إذا كان زائداً فحينئذٍ يعتق ويملك ما زاد، فلو قال: وصيت بثلثي لمحمد -وهو من عبيده- والثلث تسعة آلاف، وقيمة الرقيق ثلاثة آلاف؛ عتق بالثلاثة وملك ستة آلاف؛ لأنه تكون له يد على المال، وحينئذٍ يعتق ويملك.
قال رحمه الله:[ويعتق منه بقدره ويأخذ الفاضل].
قوله:(ويأخذ الفاضل) الفاضل هو الزائد، يقال: فضل الشيء إذا زاد، ومنه فضلُ الإنسان، إذا كان محافظاً على الطاعة؛ لأن الطاعة والبر إذا كانت غير واجبة فهي فضل وزيادة على الواجب.
قال رحمه الله:[وبمائة أو معين لا تصح له].
فإن عيّن وقال: بمائة درهم، أو أوصيت له بألفٍ، فهذه المائة أو الألف ستعود إلى الرقيق وليست في رقبته، وإنما تعود ملكاً له، وبمجرد ما تقع يده على ذلك المال سينتقل إلى ورثة الموصِي، فكأنه يوصي إلى ورثته؛ لأن الرقيق لا يملك، والدليل على أنه لا يملك قوله تعالى:{عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}[النحل:٧٥]، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع)، فأخلى يد الرقيق عن الملكية، وجعل ماله إما للبائع وإما للمشتري، فدل على أنه لا يملك.
وعلى هذا فلو وصّى له بمعيّن -كمائة أو ألف أو ألفين- فهذا المعين بمجرد أن تحكم بصحة الوصية سيدخل إلى ملكية العبد، والعبد وما ملك سيكون لسيده، فهو في الحقيقة سيؤول إلى وصية لوارث، بخلاف ما ذكرناه في مسألة المشاع والثلث.