[حكم من صام ثم جن أو أغمي عليه]
ذكر المصنف رحمه الله مسألة جنون الصائم وإغمائه، وصورة ذلك: أن ينوي الإنسان الصوم لفريضة كرمضان أو نذر أو كفارة، ثم إذا أصبح وهو مغمى، واستمر إغماؤه النهار كله، وهكذا لو أصابه جنون ولم يفق من جنونه إلا بعد مغيب الشمس، فإنه يبطل صومه بهذا الإغماء وبهذا الجنون؛ والسبب في ذلك -كما ذكر العلماء رحمهم الله-: أن النية تزول ويزول منه القصد ولا يستصحب، وإن كانت هناك مسائل يقال فيها باستصحاب الحكم في المغمى عليه والمجنون كالإسلام والردة ونحو ذلك، ولكن هذه المسألة لا يحكم فيها بالاستصحاب، وحينئذٍ يسقط عنه هذا اليوم، فلا يصح صومه ولا يعتد به؛ لمكان فوات النية بزوال الإدراك والشعور.
وقوله: [لا إن نام جميع النهار].
اختلف العلماء في الصائم إذا نام جميع النهار: فمنهم من قال: إن النائم يصح صومه، وبناءً على ذلك فلو نام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فصومه صحيح، بخلاف المجنون وبخلاف المغمى عليه، وهذا التفريق مبني على الأصل؛ وذلك أن الصحابة كانوا ينامون؛ ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بانتقاض الصوم بالنوم، والإجماع قائم على أن النوم المعتبر -كالنوم بين الظهر والعصر، والنوم ضحوة، ونوم القيلولة- لا يبطل الصوم، ولكن الخلاف إذا نام أكثر النهار أو نام كل النهار.
وصحح جمع من العلماء رحمهم الله التفريق بين الجنون والإغماء والنوم، فقالوا: إن النوم لا يبطل، بخلاف الجنون والإغماء.
وقال بعض العلماء: إذا نام أغلب النهار أو كله بطل صومه؛ وذلك لأن المغتفر في النوم ما كان معتاداً، وما خرج عن العادة فإنه يرجع إلى الأصل، فيكون في حكم المجنون والمغمى عليه؛ فيبطل صومه.
وقوله: [ويلزم المغمى عليه القضاء فقط].
أما بالنسبة للمجنون فبالإجماع أنه لا يطالب بالقضاء، فلو أن إنساناً يصيبه الجنون متقطعاً، فجن من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، فإن صومه لا يعتد به حتى ولو صام، ولا يلزمه قضاء هذا اليوم.
وأما بالنسبة للمغمى عليه فللعلماء فيه قولان: من أهل العلم من يقول: إن المغمى عليه يأخذ حكم المجنون، وبناءً على ذلك لا يلزمه قضاء ولا يصح صومه.
وقال بعض العلماء: المغمى عليه في حكم النائم، فصومه صحيح.
والصحيح الذي يترجح -والعلم عند الله-: أن المغمى عليه في حكم المجنون، وبناءً على ذلك يطالب بالقضاء ولا يصح صومه.
وعلى هذا فما اشتهر في هذه الأيام مما يسمى بموت السرير أو موت الدماغ، فيكون الإنسان قد زال شعوره وليس فيه إلا نبضات قلبه، وحكم الأطباء بموت دماغه، وقد يستمر في جهاز الإنعاش شهوراً وقد يستمر سنوات، فمثل هذا غير مكلف، ولا يلزم بالقضاء، ولا يلزم أهله بالقضاء ولا بالإطعام عنه، بل يسقط عنه التكليف بمجرد موت دماغه وتقرير الأطباء لذلك.