من تذكّر أنه لم يصل صلاة الفجر، وهو قد صلى العشاء، فهل يعيد صلاة الفجر فقط أم يعيد من صلاة الفجر إلى العشاء على الترتيب؟
الجواب
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله: فقالت طائفة من أهل العلم: يجب الترتيب، ولا تصح العشاء إذا لم يصل المغرب، وبناءً على هذا القول: يلزمه أن يعيد الفجر ثم الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا القول هو الذي دل عليه دليل الكتاب والسنة.
أما دليل الكتاب: فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣]، فنص سبحانه على تأقيت الصلاة، والتأقيت هو التحديد.
وبناءً على ذلك: لا تصح الظهر إلا بعد الفجر، ولا تصح العصر إلا بعد الظهر، ولا تصح المغرب إلا بعد العصر، ولا تصح العشاء إلا بعد المغرب، كما رتبها الله عز وجل.
وأما السنة: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: أنه لما شُغِل يوم الخندق -قبل شرعية صلاة الخوف- عن الصلوات، ففاتته صلاة العصر؛ صلى العصر ثم المغرب ثم العشاء، فراعى الترتيب عليه الصلاة والسلام، مع أن الوقت الذي صلى فيه كان محتاجاً إلى تدارك وقت المغرب؛ لأنه أتاه عمر رضي الله عنه وقد غربت الشمس فقال:(يا رسول الله! والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، قوموا بنا إلى بطحان ... ).
يقول:(حتى كادت الشمس تغرب)، ومعناه: أنه بعدها صلاها غابت الشمس مباشرة، فاحسب حساب وضوئه وصلاته للعصر -أعني عمر - ثم مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال عليه الصلاة والسلام:(قوموا بنا إلى بطحان).
ومن يعرف المدينة يعرف أن الثغر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يناضل فيه المشركين، ويرميهم بالنبل، بعيد عن بطحان، فهناك مسافة بين الجبهة التي كان فيها الرمي وبين بطحان بما لا يقل عن ربع ساعة تقريباً، إذا نزل الإنسان من طرف الثغر الذي كان يرامي ويراشق فيه المشركين -صلوات الله وسلامه عليه- وهو سفح جبل سلع الشمالي الغربي، فنزل عليه الصلاة والسلام وقال:(قوموا بنا إلى بطحان)، فنزل إلى بطحان، وتوضأ من بطحان ثم صلى، قال الراوي:(فصلى العصر والمغرب والعشاء).
فلا شك أنه كان محتاجاً إلى تدارك وقت المغرب؛ لأن أقل ما فيه أنه سيدرك آخر وقت المغرب؛ فكونه عليه الصلاة والسلام يبدأ بالعصر قبل المغرب، مع أن المغرب يُخشى فواتها، يدل على لزوم الترتيب، وهذا هو الأصل، وهو القول الصحيح إن شاء الله في هذه المسألة، أن من نسي صلاة فإنه يعيدها ويعيد ما بعدها من الصلوات؛ لأنه لا تصح صلاة إلا وهي مرتبة على التي قبلها.
وهناك قول يَغتفر الترتيب ويصحح الصلاة البعدية إذا نسي القبلية، فيصلي القبلية ولو صلى بعدها الصلوات، والصحيح ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.