للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رفع الصوت بالدعاء في السعي والطواف]

السؤال

هل يرفع الحاج والمعتمر الصوتَ بالدعاء في السعي والطواف أم يسر به؟ وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟

الجواب

السنة في الدعاء أن يكون بين العبد وربه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً)، والله أقرب إلى العبد من حبل الوريد، فلا حاجة إلى رفع الصوت بالدعاء، وإشغال الناس والتشويش عليهم، خاصة في الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والأدهى من ذلك والأمرُّ أن يكون هناك شخص يدعو جهرةً، ثم الذين من ورائه يرفعون أصواتهم، فهذا يؤذي الناس ويشوش عليهم، حتى إن الإنسان لربما لو دخل من أطراف الحرم لسمع صياح هؤلاء وهذا كله ليس من السنة، فإذا كان ولابد فيدعو الرجل أمام الناس والبقية يدعون في سرهم، ولا حاجة أن يرفعوا أصواتهم، فإذا احتيج إلى رفع صوت الداعي بقي من بعده يدعو فيما بينه وبين الله إذا احتيج إلى هذا، أما أن يصيح ووراءه الثلاثون، والأربعون يصيحون يشوشون على المصلي والراكع والساجد، فهذا كله لا شك أن فيه أذيةً للناس، وأذيةُ الناس في هذا الموضع لا شك أنها لا تخلو من إثم، وعلى هذا فإنه لا يسن، ولا يشرع أن يرفع الإنسان صوته على هذه الصفة التي تشوش على الناس وتؤذيهم، إنما يدعو الإنسان فيما بينه وبين الله تعالى، والله عز وجل سميع قريب مجيب، ولا حاجة إلى رفع الصوت بالدعاء.

وقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويسأله، ولم يحفظ عنه أنه رفع صوته بالمسألة، وهذا -كما يقال- إلا في بعض المواضع المخصوصة، ولذلك لو جئت تتأمل هديه عليه الصلاة والسلام لوجدته على هذا.

وتخصيص بعض الأطواف بأدعية مخصوصة، ويكون دعاؤها جهراً، كل ذلك مما لا أصل له، وقد كان عهده عليه الصلاة والسلام أنه دعا، وأطلق في الدعاء والمسألة، ولم يخص دعاءً معيناً لكل شوط، ولكل سعية بين الصفا والمروة، فكل ذلك مما لا أصل له، ونص الأئمة والعلماء على أنه لا يشرع تخصيص الأطواف والأشواط بأدعية مخصوصة، في الشوط الأول، والشوط الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع، كل ذلك مما لا أصل له، وإنما يُقْتَصَر على الدعاء فيما بين العبد وبين ربه.

والسنة: أن يدعو الإنسان، ولا يحتاج إلى أحد من الناس ليدعو له، فإنه من أعظم المصائب أن لا يعرف الإنسان كيف يدعو ربه وكيف يسأله، فالإنسان يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، ولا حاجة أن يدعو أمامه الإنسان، أو يلقنه الدعاء إنسان، فأنت أعلم بحاجتك، وأعلم بشدة فقرك إلى ربك، فاسأله من خير دينك ودنياك وآخرتك، واسأله صلاح دينك، وصلاحاً لأهلك وذريتك، ورحمة لوالديك، ونحو ذلك من الأدعية التي هي من جوامع الدعاء، التي فيها خيري الدنيا والآخرة للعبد.

وأما كونه يدعو وراء إنسان لا يفقه ما يقول، ولا يعلم ماذا يدعو به فلا ينبغي ذلك، حتى إن بعض الناس يسمع الأدعية ويرددها، وهو لا يدري ماذا يقال، والذي ينبغي: أن الإنسان يدعو فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يشرع الدعاء جهرةً، ولا يشوش على الطائفين، ولا على المصلين، خاصة في صلاتهم عند المقام بعد فراغهم من الطواف، ولو رأيت ذلك لوجدته، فإنك إذا فرغت من الطواف، ومر عليك الجمع وهم يدعون ويسألون لا تستطيع أن تخشع، ولا تستطيع أن تعرف كيف تسأل الله عز وجل، وهذا لا شك أن فيه أذيةً للطائفين، ولا ينبغي للمسلم أن يكون سبباً في أذية إخوانه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>