يقول المصنف رحمه الله:(والسرجين)، وهو السماد، والسماد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: السماد الطاهر، وهو فضلة ما يؤكل لحمه، على أصحِّ قولي العلماء، كما هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة من حيث الجملة؛ لأن فضلة ما يؤكل لحمه -كالإبل، والبقر، والغنم، والطيور غير الجارحة- طاهرة، فلو أن إنساناً جمع زريبة من روث أو فضلة الإبل أو البقر أو الغنم فإنها طاهرة من حيث الأصل، فنقول: هذا سماد طاهر، والدليل على طهارته عدة أدلة: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العُرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل، وهي فضلة الإبل، فلو كان البول نجساً لما أمرهم أن يشربوه؛ لأن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حَرَّمَ عليها.
ثانياً: الإذن بالصلاة في مرابض الغنم، وهذا ثابت وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت فضلة الغنم نجسة لما أذن بالصلاة فيها، وأما المنع من الصلاة في معاطن الإبل فهو لحكمة أخرى -كما نبهنا عليه في باب الصلاة- وذلك لأنها مواضع الشياطين.
وقد وصلى على بعيره، ومن المعلوم أن البعير ربما بال فلطخ ببوله فخذه وساقه، ومع ذلك صلى عليه، وطاف عليه، فدلَّ ذلك على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه، وإنما خُصَّ البعير لأن البعير من حيث الأصل مما يؤكل لحمه، فقالوا: ما يؤكل لحمه فضلته طاهرة، وهذا يشمل الطيور كالعصافير والحمام وغيرها.
والسماد الذي يؤخذ من الحمام تستصلح به الحمضيات كأشجار الليمون، فإنه إذا وضع لها (ذرق) الحمام تنفع وتصلح بإذن الله عز وجل، فهذا سمادٌ طاهر.
وكذلك يؤخذ روث البقر لاستصلاح النخل، وهو من أفضل ما يكون لاستصلاح النخل.
والسماد الطاهر يجوز بيعه، فلو أن رجلاً عنده زريبة غنم وجاءه من يريد شراء ما فيها من الروث سماداً، فما حكم هذا البيع؟ نقول: السماد طاهر مقصود لمنفعة مباحة، وهي استصلاح الزرع، ومأذون بها شرعاً؛ بل ومقصودة شرعاً، فيجوز البيع إذا كان مستوفياً للشروط الأخرى المعتبرة في البيع.
وعلى هذا: فبيع السماد الطاهر جائز ولا بأس به؛ لأنه عينٌ مباحة، ومنفعتها مباحة ومقصودة شرعاً.