[القتل بالمباشرة والسببية]
قال رحمه الله: [مثل أن يجرحه بما له مور في البدن].
الآن سندخل في تفصيلات تحتاج إلى شيء من التركيز، وقبل أن ندخل فيها سنقدم بمقدمة نرجو من الله أن ييسر على طالب العلم فهم هذه الأمور، فنقول: إن قتل العمد إذا حصل فإما أن يكون بالمباشرة وإما أن يكون بالسببية.
والقتل المباشر: هو أن يباشر القاتل إزهاق النفس والروح، فيأتي تلف النفس من مباشرته لا بواسطته؛ كما لو أخذ السكين وطعن بها في مقتل، فقد باشر القتل، والقتل مسند إليه؛ لأن الفعل والآلة تحت تحكمه وفعله، فحينئذ هو القاتل، ويقال: قتل مباشرة.
وفي زماننا كما لو أخذ المسدس وأطلق العيار الناري على الشخص فأصابه وأرداه قتيلاً، فحينئذ باشر القتل؛ لأن الفعل بإطلاق المسدس جاء من فعله هو، والإزهاق للروح والتلف حصل بفعله لا بواسطة أخرى؛ لأن الآلة لا يمكن أن تقتل إلا إذا حركت، والسلاح لا يمكن أن يزهق إلا إذا حُرك، ومن هنا يقال: إنه مباشر.
فائدة لطيفة: حينما يقال في التصوير الفوتغرافي: إن الآلة هي التي باشرت، هذا غير صحيح، وهو من القوادح التي تقدح فيها؛ لأن ضوابط العلماء كما قالوا: إن الآلة نفسها إذا كانت لا تتحرك إلا بفعل فاعل لم يسند إليها الحكم، ومن هنا حكم العلماء بأنه لا يمكن للسلاح نفسه -المسدس- أن يعمل إلا إذا حركه الشخص، فإذا حرك الآلة وكان القتل ناشئاً عما نتج عن التحريك الذي حصل بسبب القاتل، فهذا قتل مباشرة.
النوع الثاني: قتل السببية: وهو ألا يكون هو القاتل المباشر، ولكن يتسبب في القتل فيكون القتل بشيء آخر، كأن يباشر القاتل إلى شيء يكون سبباً في القتل، مثال ذلك: أن يأخذ حية فيمسكها ثم يلقيها على إنسان فتكون سبباً لوفاته، فالقتل لم يحصل بفعل القاتل نفسه، وإنما الحركة والنهش والسم وقع من الحية -أعاذنا الله وإياكم منها- إذاً القتل مباشرة من الحية، والسببية بحمل الحية وإنهاشها وتقريبها من الشخص القاتل.
وكذلك أيضاً أن يأخذه ويدفعه إلى قفص فيه أسد، أو إلى موضع لا مفر فيه، كغرفة محكمة مغلقة، فيفتح بابها ويدخله داخلها مع أسد أو نمر أو سبع مفترس، أو في فرامة لحم، لكنه ألجأه للدخول حتى فرمته وقضت عليه، فافتراس السبع هو الذي قتل، والموت نشأ من افتراس السبع وهجوم السبع على المقتول، فالحيوان والسبع هو الذي باشر القتل، والشخص الذي أدخل المقتول لم يقتل، إنما تسبب في قتله، وهذا يسمى: قتل السببية.
وكذلك أيضاً لو أنه ربطه ثم رماه في بركة عميقة، أو علم أنه لا يحسن السباحة فرماه في بركة عميقة، فسقط فمات فيها، فإن الموت حصل بالغرق، وزهوق النفس -خروج الروح والهلاك- حصل بقدرة الله عز وجل، فالذي قتله هو الماء، ولكن من الذي ألقاه في الماء؟ ومن الذي أوقعه فيه؟ ذلك القاتل.
فهذا يسمى: قتل السببية، فإن المباشرة ليست من القاتل ولكنها من طرف ثانٍ.