قال رحمه الله:[ولا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها]: أي: ولا نفقة ولا سكنى لمرأة توفي عنها زوجها؛ لأن النفقة مبنية على الزوجية، وقد زالت عصمة الزوجية بالموت من حيث الأصل، أي: زال ما بينها وبين الرجل بالموت من بعض الوجوه، ومنها حقوق النفقة، فالمقابلة في الحقوق زائلة بمجرد الوفاة وهذا وجه عند بعض العلماء.
وضعف بعض العلماء هذا الوجه، وهناك خلاف: هل العصمة تزول بالموت أو لا؟ قدمنا هذه المسألة وذكرناها في بعض الدروس، وحاصلها: أن من أهل العلم من يقول: العصمة تزول بالموت، ولذلك لا يجيزون للرجل أن يغسل الزوجة إذا ماتت، ولا يجوز للزوجة أن تغسل زوجها إذا مات.
وذهب الجمهور إلى أن العصمة لا تزول بالوفاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة:(أرأيت لو متِّ فغسلتك وكفنتك) وكذلك فعل السلف، فإن أبا بكر رضي الله عنه غسلته زوجه أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه غسل فاطمة، فدل على أن العصمة لا تزول بالموت، فلو زالت لما حل له أن يغسلها؛ لأنه لا يجوز له أن ينظر إليها ولا يجوز له أن يباشرها باللمس كما هو معلوم، لكن لما كانت عصمة الزوجية باقية لم ينكر السلف رحمهم الله هذا الفعل، فدل على أن عصمة الزوجية باقية.
لكن يرد الإشكال هنا على قول الجمهور: كيف أسقط العلماء رحمهم الله حق المرأة في السكنى بالوفاة؟ فقالوا: لأن المال ينتقل إلى الورثة، ويصبح ملكاً للورثة وليس ملكاً للميت، وبناء على ذلك فلا حق لها في هذا المال، إلا إذا كانت حاملاً، فإن كانت حاملاً فقد اختلف فيها على وجهين: بعض العلماء قال: لها حق النفقة، وتصبح ديناً في ماله، ومنهم من قال: إنه ينفق على هذا الحمل من نصيبه من الإرث كما سيأتي -إن شاء الله- في كتاب الفرائض؛ والله تعالى أعلم.
أي: بالنسبة لقضية وجوب النفقة عليهم من حقه فهو أقوى، لكن بالنسبة للترجيح في هذه المسألة فبعض العلماء يرى أنه إذا توفي الرجل وانتقل المال إلى ورثته، فلا حق للمولود فيه؛ لأن المال لأجنبي وهم إخوانه أو قرابته.