وسن له أن يؤخر السحور، والسحور: فعول من السحر، والسحر آخر الليل قبل الفجر بساعة، تزيد أو تنقص على حسب طول الليل وقصره في الشتاء والصيف، والسحر: هو السدس الأخير من الليل، فتقسم الليل على ثلاثة أجزاء: ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم بعد ذلك تأخذ نصف الجزء الأخير وهو السدس، فهذا السدس هو السحر الذي انتهى إليه وتره عليه الصلاة والسلام كما قالت أم المؤمنين عائشة كما في الصحيحين:(من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وانتهى وتره إلى السحر) وهو أفضل الأوقات لذكر الله عز وجل كما قال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}[آل عمران:١٧].
وسمي السحور سحوراً لوقوعه في هذا الوقت، والعرب تسمي الشيء بزمانه، كما سميت صلاة الضحى؛ لأنها تقع في الضحى، وعيد الأضحى؛ لأن الأضحية تذبح في الضحى وهو أول النهار، فالمقصود: أن السحور سمي سحوراً بهذا، والسحور: فعل الأكل في وقت السحر، سواء كان قليلاً أو كثيراً، فمن أكل تمرة واحدة فقد تسحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال:(ولو بتمرة) فهو إذا أكل في السحور ولو تمرة واحدة فقد تسحر، والأفضل أن يؤخر الأكل إلى هذا الوقت؛ لأنه إذا أخر الأكل إلى هذا الوقت قويت نفسه على العبادات وعلى الطاعات؛ ولأنه يخالف شريعة من قبلنا من اليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا لا يأكلون إذا استيقظوا من نومهم وإنما يمسكون، فكان في شريعتهم أنه إذا نام أحدهم حرم عليه الأكل إلى اليوم الثاني، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم:(فرق ما بيننا وبينهم طعمة السحر) فهو يطعم ولو تمرة؛ حتى يخالف اليهود، وحينئذ تكون فضيلة وقربة لله عز وجل.
والأكل في وقت السحور مما يعين على أداء فريضة الفجر؛ لأن الإنسان إذا وقام وحافظ على السحور؛ فإنه أدعى لأن يحفظ صلاته وأن يتمكن من أدائها، لكنه إذا تسحر أول الليل ربما تساهل وقصر حتى يذهب وقت الفجر عليه، أو تفوته الجماعة فلا يصلي معها.
فالمقصود: أن الأفضل له أن يتسحر.
لكن لو أكل من الليل ثم نام واستيقظ في السحر ولم يأكل، وواصل فإنه لا إثم عليه؛ لأنه سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا تؤدي إلى الإخلال، فهذه من السنن ومن الفضائل.
إذاً يؤخر السحور بحيث أنه بمجرد انتهائه من السحور يكون قد دخل وقت الفجر، وهذا من أفضل ما يكون، لكن ينبغي أن يكون ذلك مع حفظ وقت الفجر، أما إذا كان يتساهل ولا يضبط الوقت وعلى شبهة فيتحرى ويتحفظ؛ فالمقصود: أن تأخير السحور شرطه أن يضبط الوقت، أما إذا كان على وجه لا يأمن منه الإخلال فإنه يمنع منه؛ لأنه لا يعقل أن يطلب السنة على وجه يضيع به فريضة الله عز وجل، وهذا ركن من أركان الإسلام.