[عدة من ارتفع حيضها ولم تدر سببه]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وسبيله إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [الخامسة من ارتفع حيضها ولم تدر سببه].
هذا النوع الخامس من النساء المعتدات، وحاصله: أن المرأة يرتفع حيضها وينقطع عنها، ولا تدري ما هو سبب الانقطاع، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله -كما سيبينه المصنف- أن هذا النوع ينقسم في الأصل إلى قسمين: القسم الأول: أن يرتفع الحيض وينقطع ولم تعرف سببه.
والقسم الثاني: أن يرتفع وتعلم سبب الارتفاع.
فهذا النوع من النساء في الأصل ينقطع عنهن دم الحيض، ثم إذا انقطع هذا الحيض إما أن تعلم سبب الانقطاع وإما أن لا تعلم، فإن علمت سبب الانقطاع فلها حكم، وإن لم تعلم سبب الانقطاع فلها حكمٌ آخر، والمصنف رحمه الله شرع في بيان هذا النوع فقال: (من ارتفع حيضها ولم تدر سببه فعدتها سنة).
من ارتفع حيضها ولم تدر سبب انقطاع دم الحيض عنها فعدتها سنة، وهذا قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وهذه السنة توجيهها: أنها تعتد تسعة أشهر لاحتمال أن تكون حاملاً، فإذا مضت عليها تسعة أشهر ولم يتبين أنها حامل فإنه حينئذٍ تبدأ عدتها بالأشهر وتكون عدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن على أن المرأة التي لم تحض والمرأة اليائسة من الحيض عدتها ثلاثة أشهر، فإذا أضيفت التسعة الأشهر إلى الثلاثة الأشهر أصبح المجموع اثني عشر شهراً -سنة كاملة- كما قضى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك قالوا: لم يخالف في هذا الحكم، فإذا انقطع دم الحيض عن المرأة ولم تدر ما سبب انقطاعه فإنه يلزمها أن تعتد سنة كاملة، تسعة أشهر لاحتمال أن تكون حاملة استبراءً لرحمها من الحمل، وثلاثة أشهر التي هي العدة الأصلية للتي ليست ممن يحضن.
يقول المصنف رحمه الله: [تسعة أشهر للحمل، وثلاثة للعدة، وتنقص الأمة شهراً].
وتنقص الأمة شهراً؛ لأنه بالنسبة للتسعة الأشهر تستوي فيها الأمة والحرة؛ لأن الحمل لا يختلف من حرة إلى أمة، فالتسعة الأشهر في الحرائر والإماء، فتعتد تسعة أشهر، والثلاثة الأشهر التي هي عدة اللائي لا يحضن من النساء تتشطر على مذهب الحنابلة، وقد ذكرنا أن الصحيح عدم التشطير وهو مذهب المالميكة والظاهرية رحمة الله عليهم، وقول بعض فقهاء المدينة كـ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -أحد فقهاء المدينة السبعة- وسالم بن عبد الله بن عمر، وهو قول مجاهد بن جبر والدليل على ذلك: أولاً: عموم الأدلة الواردة في كتاب الله عز وجل حيث لم يفرق سبحانه وتعالى بين الحرة والأمة.
ثانياً: أن الذين قالوا بالتشطير خصصوا هذا العموم بقول الصاحب، والعموم أقوى.
ثالثا: أنهم خصصوه من جهة العقل، وهذا مبني على المسألة الأصولية: تعارض العموم مع القياس، ودلالة العموم أقوى من القياس في هذه المسألة، فإن الله تعالى نص على التشطير في الحد ولم ينص على تشطيره في غيره من حيث الأصل العام، فبقي الغير على الأصول إذ ورد فيه دليلٌ عام فيبقى على عمومه؛ ولذلك يترجح مذهب من قال: إنه لا تشطير في عدة المرأة إذا كانت من الإماء.