[وصايا لاستغلال العشر الأواخر من رمضان]
السؤال
أقبلت العشر الأواخر، فبماذا يوصى العبد في وقته، وبماذا توصى المرأة في بيتها؟
الجواب
جماع الخير كله الوصية بتقوى الله عز وجل {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:٤ - ٥] وعلى المؤمن إذا دخلت عليه العشر أن يتحرى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فإن الله جعل الخير كل الخير في اتباعه صلوات الله وسلامه عليه، وأسعد الناس في العشر الأواخر، وأسعد الناس في كل زمان ومكان من رزقه الله حب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
فيسأل المؤمن كيف كان هديه -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- في هذه العشر؟ وكيف كان حاله عليه الصلاة والسلام حينما عرف حقها وقدرها؟ فقد كان أتقى الأمة وأعرفها بما لهذه العشر من فضيلة ومزية، فأحيا ليلة وشد مئزره وأيقظ أهله، صلوات الله وسلامه عليه، واعتكف في هذه العشر في مسجده صلوات الله وسلامه عليه، فإن تيسر للمؤمن أن يصيب هذه السنة فيعتكف فعليه أن يتحرى الأمور العظيمة في اعتكافه، والتي أساسها إخلاص العمل لله جل وعلا.
وأن يعلم أنه ليس له من اعتكافه إلا ما أريد به وجه الله، فإذا خرج من بيته من أجل أن يعتكف هذه العشر فليتأسَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليخرج وليس في قلبه إلا الله، يتمنى أنه يعتكف ولا أحد يراه، ويتمنى أنه معتكف ولا أحد يسمعه أو يحس به من إخلاصه لله سبحانه وتعالى.
ثانياً: إذا دخل في اعتكافه فعليه أن يتحرى ما يعينه على طاعة الله عز وجل ومرضاته، فيعلم أنها أيام قليلة، وأن هذه الأيام إن وفق فيها لطاعة الله فإن الله قد أحبه بتهيئة الخير له؛ لأن الله لا يهيئ الخير إلا لأحبابه، وصفوة عباده، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه.
فإذا أحس أن كل ساعة يتنافس فيها مع الصالحين، ويتسابق فيها مع الأخيار والمتقين، شمر عن ساعد الجد في مرضاة الله رب العالمين، فإذا جاء من يضيع عليه وقته في حديث ولهو نظر يميناً فرأى عباد الله الأخيار، ونظر شمالاً فرأى الصفوة الأبرار، ما بين قائم وراكع وساجد وتال، هذا يسأل ربه، وهذا يذكر ربه، وهذا يبكي ذنبه، فعندها يحتقر كل شيء يلهيه عن هذا المقصود الأعظم.
يتفرغ تفرغاً تاماً كاملاً لذكر الله عز وجل والإخلاص، وأفضل الذكر وأحبه إلى الله سبحانه وتعالى كثرة تلاوة القرآن، فهنيئاً ثم هنيئاً لمن رزقه الله عز وجل لساناً تالياً لكتاب الله في اعتكافه وفي كل حين، فأسعد الناس من جعل الله القرآن ربيع قلبه ونور صدره وجلاء حزنه وذهاب همه وغمه.
كذلك أيضاً عليه أن يحرص على الاستفادة من هذه العشر أثناء تلاوة القرآن في صلاح قلبه، ومن أعظم ما يصلح به القلب ويتأثر به القلب كثرة الخشوع، فإن من يكثر من قيام الليل ويتخشع في قيامه، حتى ولو كان في قلبه قسوة فإنه يضغط على هذا القلب، ويلوي بعنقه إلى طاعة الله ومرضاة الله، ويكون شديداً على نفسه، فيفرحه وعد الله عز وجل، ويبكيه وعيده، ويخشع لكلام الله عز وجل، ويرتعد من تخويفه وتهديده، عندها لا شك أنه سيجد بركة القرآن وخيره، فيحاول قدر الاستطاعة أن يكون أكثر الناس انتفاعاً بالقرآن، وخشوعاً عند سماع القرآن، وأن لا يلتفت إلى النغمات ولا إلى الأصوات، ولا إلى العبارات إلا لمقصود أعظم وهو التفكر والتدبر والتذكر من كتاب الله جل جلاله، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩].
كذلك أيضاً عليه أن يحرص في هذه العشر على الأعمال الصالحة التي فيها تفريج كربات للمسلمين، كإفطار الصائمين، وكسوة العارين، وتفريج الكربات عن المكروبين، يتنافس في كل خير وبر يرضي الله عز وجل عنه.
ولا مانع أن يستفيد من الخير في صحبة عالم أو أحد من أهل الفضل، فيذكره قوله وعمله وسمته ودله بالله، فهذا خير عظيم.
كذلك ينبغي عليه أن يبتعد عن الأمور التي تبعد عن الله عز وجل، من كثرة الكلام في فضول الدنيا، وكثرة القيل والقال والغيبة والنميمة، والضحك واللهو.
الذي يدخل إلى المعتكف وهو يضحك مع هذا أو هذا، وينظر إلى المعتكف على أنه ساعات، ويرتب وقته على أنه في ساعة معينة يأتي فيجلس مع هذا ويباسط هذا، وكأن الأمر ساعات يريد أن يقضيها دون تفكر وتدبر أنه معتكف لله، وأن هذا الوقت مستحق لطاعة الله عز وجل؛ يفوته من الخير شيء كثير، فالله الله ولن يكون الإنسان معتكفاً ومتحرياً للسنة في بلوغ الخير في هذه العشر إلا إذا ضن وبخل بكل دقيقة وثانية، وصار أكره ما عنده أن يأتيه شخص يلهيه عن طاعة الله عز وجل وذكر الله عز وجل.
فمن عرف الطاعات ولذة الذكر لله عز وجل ولذة العبادة، لا شك أنه يهون في قلبه كل شيء سوى هذا، ويتذمر إذا جاء أحد يشغله عن هذا، ولكن هذه منح من الله سبحانه وتعالى وهبات من الله عز وجل، ومن بشائر القبول ودلائل القبول للعبد الصالح، أن الله يصرف عنه كل من يشغله عن طاعة الله عز وجل ويهيئه لما هو أسمى وأسمى.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم بمنه وكرمه ذلك الرجل، وجماع الخير كما قلنا: في تقوى الله عز وجل.
ومن الأمور التي يسعى إليها العبد في العشر الأواخر: أن يحرص على بر الوالدين وصلة الرحم، والإحسان إلى القرابات، وزيارة الإخوان والأخوات وقضاء حوائجهم، خاصة إذا احتاجوا أموراً في عيدهم وفرحتهم، فيدخل السرور عليهم، ويجبر خواطرهم، خاصة إذا كانوا أيتاماً أو أصغر منه سناً، أو أختاً تحتاج إلى مواساة، أو قريباً يحتاج إلى قضاء دين وتفريج كربة.
على كل حال: أبواب الجنة عظيمة، وطوبى ثم طوبى لمن وفقه الله عز وجل أن يشمر عن ساعد الجد، فينتهل من مناهل الخير في طاعة الله ومرضاته، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا أوفر عباده حظاً ونصيباً في كل خير وبر ورحمة.
والله تعالى أعلم.