قال رحمه الله:[وإن رُدَّ]: أي: الأول، والرد من المرأة ومن وليها ينبغي أن يفصل فيه، فإذا ردت المرأة فينبغي عليها ألَّا تستعجل في ردها وأن تسأل عن الرجل من تثق به من مواليها وقرابتها، فإذا كان دَيِّناً صالحاً كفؤاً كريماً فعليها أن تبادر بالقبول؛ لأنها نعمة من الله سبحانه وتعالى، والنعمة تُشْكر ولا تُكْفر، ومن شكر نعمة الله عز وجل أن تقبل هذا الزوج الصالح الدَّيِّن، وأن ترضاه لكي يكون معيناً لها على طاعة الله ومرضاته.
وهكذا الولي، فإن الله جعله ولياً على المرأة لكي يتقي الله عز وجل في نظره، فيطلب الأصلح لها في دينها ودنياها حتى يؤدي أمانته على الوجه الذي يرضي الله، فإذا خالفت المرأة هذا الأصل وخالف الرجل فرُدَّ الكفء الصالح؛ فإنها لا تأمن من عقوبة الله عز وجل، فمن سنن الله عز وجل أن من رد نعمته وقابلها بالكفر ألَّا تُؤْمَنَ له العاقبة، وقَلَّ أن تعرض المرأة عن الرجل الصالح والكفء إلا ابتليت، قال صلى الله عليه وسلم:(إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم) فالرد ينبغي أن يكون بتأمل، وأن تنظر المرأة الأحظ لها في أمر دينها.
فإذا رُدَّ الخاطب الأول جاز للخاطب الثاني أن يتقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم خطبة الثاني على خطبة الأول لمكان الإفساد، ولما يترتب عليه من حصول الضغائن والشحناء، وقد جاء الإسلام بما يوجب المحبة والألفة والمودة، وقفل الأبواب والوسائل المفضية إلى ضد ذلك.
قال رحمه الله:(جاز) وهنا جواب قوله: (وإن رُدَّ) أي: جاز للخاطب الثاني أن يتقدم سواء علم بالرد من ولي المرأة، أو سمع من الناس ممن يوثق به أن فلاناً تقدم ولم تقبل خطبته، فحينئذٍ يجوز له التقدم.
قال رحمه الله:[أو أذن أو جُهِلت الحال جاز]: (أو) للتنويع، فهذه حالة ثانية يجوز فيها للرجل أن يتقدم بخطبته للمرأة إذا أذن له الخاطب الأول، وذلك لأن الخطبة الأولى من حق المتقدم الأول، فإذا تنازل عن حقه وأذن للثاني جاز للثاني أن يتقدم.
وقوله رحمه الله:(أو جُهِل الحال): كرجل تقدم ولم يعلم بخطبة الأول فخطب خطبة ثانية، فإنه لا بأس ولا حرج عليه؛ لأنه لا علم له بخطبة الأول، فانتفى فيه قصد الإضرار؛ لأن التكليف مبنيٌّ على العلم، وهذا لا علم عنده، فارتكابه للمحظور لم يأتِ عن قصد، ولذلك يعتبر في هذه الحالة معذوراً، وحمل عليه خطبة معاوية وأبي الجهم وأسامة على أنهم تقدموا دون علم بعضهم لبعض، على أحد الأوجه في الحديث.