والدي كبير في السن، وقد تقاعد من عمله، وهو ممن يحب العمل، فهل من البر البحث له عن عمل أم أحثه على الانشغال بالعبادة؟
الجواب
ابحث له عن عمل إذا كان عنده قدرة وطاقة ويحب أن يعمل، فالتمس رضاه بعد رضا الله عز وجل، وإذا كان يمكنك أن تقوم على معيشته أو راتبه يكفيه فيتفرغ للعبادة فهو أفضل، فمن تفرغ لربه كفاه الله ما أهمه من أمر دينه ودنياه وآخرته، وهكذا كان كبار السن من أهل الإسلام يلزمون بيوت الله عز وجل، ويعكفون على العبادة لعل الله أن يختم لهم بخاتمة الخير، والمؤمن إذا شاب شعره، ورق عظمه انتظر مجيء النذير من ربه، وانتظر الأجل الذي قدره له مولاه، فيستكثر من الأعمال الصالحة، ولربما ينكسر قلبه، ويخشى الله سبحانه وتعالى، فيتوب توبة نصوحاً يغفر الله له بها ذنوب العمر كلها، وكم من رجل مسيء خطّاء كثير الذنوب أسرف على نفسه، فوقف في آخر عمره على باب الله عز وجل يرجو رحمته فانكسر لله قلبه، واطمأن بذكر الله فؤاده، وسأل الله وتعالى أن يعفو عما سلف من الذنوب والعصيان، ولربما كان ابن سبعين أو ابن تسعين أو ابن مائة أو أكثر من ذلك وصدق مع الله فصدق الله معه، فمحا الله عنه ذنوب عمره كلها، والله يفرح بتوبة التائبين، ويحب من عبده أن يقبل عليه وهو أرحم الراحمين، هو أغنى ما يكون عن عباده، والعباد أفقر ما يكونون إليه، فالمؤمن إذا شقي في هذه الدنيا وتعب في جني مالها لكي يعف نفسه ويعف أهله، فعلى أولاده إذا كبر سنه، ورق عظمه أن يتقوا الله فيه، وأن يرحموا كبر سنه، وأن يحاول الابن البار أن يقوم على أبيه في آخر عمره، وأن يتفانى وأن يضحي وأن يجلب له ما يسد رمقه، ويعينه على ذكر الله عز وجل، وكم من ابن بار فتحت له أبواب الخير بدعوات صالحات طيبات مباركات من أم برها أو أبٍ أكرمه في آخر عمره، فكفاه مئونة الدنيا، وكتب الله له بذلك سعادة الدنيا والآخرة، فيوصى الابن أن يبحث أول شيء عن سداد حاجة والده، إذا كان الوالد بحاجة وعندك القدرة على أن تسد حاجته وتضحي له فحينئذ تقطعه عن الدنيا وتقول له: يا أبت! تفرغ لآخرتك واستجمع قلبك لربك، وكفى ما مضى، وجزاك الله عني وعن إخوتي وأهلك كل خير، لم تقصر في شيء فجزاك الله كل خير، والآن سأقوم على أمرك، وأسعى في جلب الرزق إليك، فادع الله أن يعينني، فتسعى والله سبحانه وتعالى لا يخيبك، وكم من عبد يرزق بفضل الله ثم بفضل والديه، ولذلك لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يسعى على أخيه وهو عبد صالح قال عليه الصلاة والسلام:(لعله يرزق بسببه)، يعني: الأخ الغني فتح الله له أبواب الغنى والرزق بسبب قيامه على أخيه، وهذا رحمة من الله سبحانه وتعالى يرحم بها عباده.
على كل حال، إذا كان الوالد بحاجة إلى الراحة فالأفضل أن تقوم عليه، وإذا كنت تستطيع أن تكفيه هذا الهم وتقول له: اجلس في البيت وأنا أقوم عليك ولا يتأذى بذلك ولا يتضرر فافعل رحمك الله، واحتسب الأجر عند الله، وإن من أعظم الطاعات وأجلها زلفى عند الله -بعد توحيده والإيمان به وعبادته- بر الوالدين، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم لنا ولك ولكل مسلم التوفيق لذلك، والله تعالى أعلم.