من المعلوم أنه إذا وصّى بالمال كله فلا يصح إلا في حدود الثلث، فمعنى ذلك: أن الوصية باطلة في الثلثين وصحيحة في الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له سعد:(أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا)، فدل على أن المال كله لا تصح الوصية به إلا في حدود الثلث، فإذا صحّت في حدود الثلث فهنا قد سَمّى المصنف ثلاث جهات، الجهتان الأوليان: ابناه زيد وعمرو مثلاً، والجهة الثالثة: الأجنبي، وليكن علياً، فزيد وعمرو يستحقان ثلثي الثلث، والأجنبي -الذي هو علي- يستحق ثلث الثلث؛ لأن الوصية بطلت في الثلثين وصحت في الثلث.
فمثلاً: لو كان عندك تسعة آلاف ريال، وأوصيت بجميع التسعة آلاف ريال لهؤلاء الثلاثة، فنقول: ليس من حقك أن تعتدي على حقوق الورثة وتوصي بالتسعة آلاف كاملة، بل تصح وصيتك في ثلاث آلاف، وتبطل في ستة آلاف، والستة آلاف تقسم ميراثاً شرعياً حكم الله سبحانه وتعالى به من فوق سبع سماوات، ويعطى كل ذي حق حقه.
وابناه من الوارثين، يعني: ابناه ذُكرا في الثلث الذي سنصحح الوصية به، فابناه زيد وعمرو لما كانا ابنين له فلا وصية لوارث؛ فبطلت أيضاً في الابنين، ولا يستحقان إلا أن يجيز الورثة، وتبقى الوصية لعلي الأجنبي، فيستحق ألف ريال، والألف ريال بالنسبة للتسعة آلاف ريال -التي هي أصل المال- هو التسع، فقال رحمه الله:(صحت في التسع) أي: أُعطي علي -الأجنبي- تُسع ماله؛ لأنها لم تصح في الثلثين؛ لأنها زيادة على القدر الذي أباحه الله في الوصية، ولم تصح في زيد وعمرو وهما ابناه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا وصية لوارث)، فبقيت ثلاثة آلاف قُسمت بين الابنين والأجنبي، فبطلت في حق الابنين، وذلك بألفين، وصحت في حق الأجنبي، وذلك بألف ريال، وهي تعادل تسع ماله.