الاستثناء يكون تارةً بالإثبات وتارة بالنفي، فالاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي، فأنت لو قلت: ما قام أحدٌ إلا زيداً، فإن الاستثناء من المنفي إثبات، أي: أن زيداً قد قام، فصار الاستثناء من النفي إثبات، والعكس الاستثناء من الإثبات نفيٌ، فإذا قال: جاء الطلاب إلا زيداً، فمعنى ذلك أن زيداً لم يجيء، فأصبح الاستثناء من الإثبات نفي، وعلى هذا استشكلت بعض المسائل على هذا الأصل: أن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فإذا قال: أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدةً، فإنه قد أثبت الثلاث واستثنى منها واحدة، فيكون نفياً للواحدة.
وعلى هذا لما قلنا: إنه إذا قال لها: أنت طالقٌ ثلاثاً إلا طلقتين فقد نفى أن تكون مطلقة ثلاثاً، واستثنى هاتين الطلقتين، ثم لمّا رجع وقال: إلا واحدةً، أي: من الاثنتين، فحينئذٍ كأنه يقول: أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدة هذا وجهه.
لكن مسألة الاستثناء من النفي إثبات هي في الطلاق جارية عند جمهور العلماء رحمهم الله، ويشكل عليها فقط في مسائل الأيمان، لو قال: والله لا آكل اللحم إلا لحم الدجاج.
فإذا قلنا: والله لا آكل اللحم استثناء، والاستثناء من النفي إثبات، فحينئذٍ عند الجمهور أنه إثبات لأكل الدجاج، فإذا مضى ذلك اليوم ولم يأكل لحم الدجاج؛ لزمته اليمين وحنث؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات.
وقال طائفةٌ من العلماء كما هو مذهب المالكية: الاستثناء من النفي إثبات إلا في اليمين؛ فإنه لو قال: والله لا آكل اليوم اللحم إلا لحم الدجاج؛ فإنه حينئذٍ يكون قوله: إلا لحم الدجاج، للإباحة لنفسه، وليس المراد به إثبات كونه يأكل لحم الدجاج، ويكون الخلاف بين القولين فيما لو مضى اليوم كله ولم يأكل لحم الدجاج، فعلى أن الاستثناء من النفي إثبات حنث على قول الجمهور، وعلى أن النفي في باب الأيمان ليس إثباتاً فإنه لا يحنث؛ لأن المراد: أنه لا يأكل اللحم إلا أنه رخص لنفسه بأكل لحم الدجاج، فإن أكل فبها ونعمت، وإن لم يأكل فلا شيء عليه، وسيأتي إن شاء الله في الأيمان؛ لأن مسائل الاستثناء تتعلق بالأيمان وبالنذر وكذلك أيضاً بالطلاق.