للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأمر المترتب على من أعتق جارية أو باعها بعد اعترافه بوطئها]

قال المصنف رحمه الله: [وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولدٍ لدون نصف سنة لحقه والبيع باطل].

شخص كانت عنده أمة فوطئها ثم أعتقها، فتزوجها رجل بعد أن صارت حرة، أو باعها فوطئها المشتري على أنها ملك يمين له، فولدت لدون ستة أشهر؛ علمنا أن الولد للأول وليس للثاني، وحينئذٍ يكون قد باع أم ولده؛ لأنه تبين أنها كانت حاملة أثناء البيع، وتأتي مسألة بيع أمهات الأولاد التي تقدمت معنا، وقد اختار جمع من أئمة السلف -وهو قضاء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه لا يصح بيع أمهات الأولاد، وأن أم الولد تبقى جارية عند سيدها حتى يموت فتعتق عليه؛ لأنها أم ولده، ولذلك أحسن الله عز وجل إليها، ولا شك أن هناك ضرراً على ولدها؛ لأنه سيكون حراً ولا يملك أمه بعد موت أبيه، فتعتق بموت سيدها، ولذا مضى قضاء الصحابة رضوان الله عليهم بعدم بيع أمهات الأولاد، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من فرق بين أمٍ وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)، وهذا الحديث فيه وجوه: بعض العلماء يقول: إنه في بيع أمهات الأولاد، فيبيع الأم ويبقي الولد؛ لأنه يتضرر ببقاء أمه جارية، وهذا لا شك أن فيه ضرراً عظيماً عليه.

وقيل: (من فرق بين أمٍ وولدها) يدخل فيه ما يفعله بعض الناس خاصة في هذه الأزمنة التي قلّ فيها الورع، ونسيت فيها الحقوق، فيأتي وينتزع أولاد المرأة منها بعد تطليقه لها، ويأخذهم بالقوة ويفرق بين الأولاد وأمهم، وقد يمضي الشهر وقد تمضي السنة بل تمضي السنوات ولا يمكنهم من رؤية أمهم، فإن فعل ذلك فرّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، وكان بعض مشايخنا يقول: إن الله يفرق قلبه ويفرق همه في الدنيا قبل الآخرة، فقلّ أن تجد رجلاً يفعل ذلك إلا وعجّل الله له عقوبة الدنيا قبل الآخرة.

الشاهد: أنه لا يجوز بيع أم الولد على هذا القول، فإذا حصل البيع فالبيع فاسد، وإذا تبين فساده فيحكم برد الثمن لصاحبه، فتسترد الأمة وتبقى أم ولدٍ حتى تعتق على سيدها.

وقوله: (أو باعها بعد اعترافه بوطئها): ثم تبين حملها وولدت قبل ستة أشهر فإنه ينسب الولد إليه.

وقوله: (فأتت بولد لدون نصف سنة لحقه والبيع باطل): لحقه الولد؛ لأنه تبين أنه ولد للأول وليس للثاني؛ لأن الثاني لا يمكن أن يولد له بدون ستة أشهر، مثلاً: وطئها في محرم، ثم باعها في صفر، ولما مضت الستة أشهر من الوطء تبين أنها وضعت في شهر جماد الذي هو الشهر السادس، فحينئذٍ نعلم أن هذا الولد منسوب للأول وليس للثاني، لأنه لا يمكن أن تلد لأربعة أشهر، إذا اشتراها في صفر ووطئها في صفر وربيع، فمعنى ذلك أنه وطئها وهي حامل، وحينئذٍ ينسب للأول ولا ينسب للثاني، ويلغى البيع ويحكم ببطلانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>