[الغسل من إيلاج الفرج في فرج]
قال رحمه الله: [وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً].
السبب الثاني الذي يجب به على المكلف أن يغتسل: تغييب حشفة أصلية، والتغييب: هو المواراة، تقول: غَيَّبَ الشيء في التراب إذا واراه فيه، والغائب هو: المتواري عن الأنظار، وتغييب الحشفة: الحشفة هي رأس الذكر، والمراد بالتغييب: أن يحصل الإيلاج، فبعض العلماء يقول: إيلاج، وبعضهم يقول: تغييب، والمعنى واحد، فلما قال: (تغييب الحشفة) فهمنا من ذلك: أنه لو ألزق رأس العضو برأس العضو فلا يجب الغسل، سواء كان من قبل أو دبر فإنه لا يترتب عليه الحكم الشرعي المترتب على الإيلاج، وهذا يكاد يكون بالإجماع.
فالتغييب شرط معتبر، ولذلك أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا ألزق الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل) فكنى صلوات ربي وسلامه عليه عن الإيلاج بقوله: (إذا ألزق) فإن هذا لا يحصل إلا بإيلاج رأس العضو، قالوا: لا يحصل ذلك إلا إذا وقع الإيلاج، وبناءً على ذلك فشرط هذا الموجب الثاني أن يحصل تغييب لرأس العضو أو قدر رأس العضو من مقطوع رأس العضو، فلو سئلت عن حكم مواراة رأس عضو مقطوع، فتقول: بتغييب قدر رأس العضو أي: حشفته.
(تغييب الحشفة في فرج أصلي) في الفرج: يشمل ذلك الأنثى والذكر، والحي والميت، والحيوان والإنسان، فإذا حصل إيلاج على هذه الصورة في فرج آدمي ذكراً كان أو أنثى، أو كان من بهيمة، أو كان من حي أو ميت وجب الغسل، وهذا فيه أصل وفيه مقيس على الأصل: أما الأصل في إيجاب الغسل بالإيلاج فهو الجماع، وهذا بنصوص الأحاديث كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (إذا ألزق الختان الختان ... ) وقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مس الختان الختان ... )، وقوله: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) فهذه النصوص الصحيحة تدل على أن العبرة بإيلاج رأس العضو، وهذا منصوص جماهير السلف والخلف من أهل العلم رحمة الله عليهم.
أما بالنسبة للملحق بهذا الأصل ففرج الدبر سواء كان من امرأة أو من رجل أو كان من بهيمة -وهو محرم وطؤه- فإن كل ذلك يعتبر آخذاً حكم ما ذكرناه بالقياس؛ لأن الشرع ينبه بالنظير على نظيره، وهذا هو مذهب جماهير العلماء، وخالف بعض أهل العلم فقال: لا يجب إلا إذا حصل الإيلاج في عضو الأنثى بالجماع، وأما غيرها فلا يجب فيه غسل، ولكن الصحيح ما ذكرناه.
(تغييب حشفة في فرج أصلي) هذا التغييب ظاهره سواء كان في يقظة أو منام، فإن التكليف بوجوب الغسل مبني على الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي، بمعنى: أنه متى ما حصل الإيلاج فالحكم بوجوب الغسل حاصل بغض النظر عن كونه في يقظة أو منام.
(تغييب حشفة في فرج أصلي) خرج من هذا الفرج الغير الأصلي، ومثل له العلماء بالخنثى المشكل، فقال بعض العلماء -رحمهم الله- وهو يكاد يكون مذهب الجمهور: إنه إذا جامع الخنثى وكان مشكلاً فإنه لا يحكم بوجوب الغسل عليه، وهي مسألة فيها خلاف، وأنا متوقف فيها، فبعض العلماء يرى أن العبرة بالفرج الأصلي؛ قالوا: لأن الخنثى إذا لم يتبين أهو ذكر أم أنثى فإننا نعمل بقاعدة: (اليقين لا يزال بالشك)، فاليقين أن المجامع يعتبر طاهراً، وشككنا في هذا الفرج: هل الخنثى رجل فيكون بمثابة وطء فرج غير أصلي فحينئذٍ لا يجب الغسل، أو هو أنثى فيكون جماعاً صحيحاً موجباً للغسل؟ فرجعنا إلى اليقين، هذا وجه إسقاط الغسل، يقولون: إن المجامع الأصل فيه الطهارة وشككنا في هذا الجماع: أيوجب الغسل أو لا يوجبه؟ والأصل براءة الذمة، فلا يجب غسل بجماع خنثى مشكل، هذا بالنسبة لكلام العلماء رحمة الله عليهم.
قال رحمه الله: [قبلاً أو دبراً].
(قبلاً أو دبراً) هذا للتنويع، سواء وقع في قبل أو دبر، يخرج من هذا الفرج غير الأصلي كما ذكرنا في الخنثى المشكل، أو يكون مصنّعاً، فكل ذلك لا يوجب الغسل.
قال بعض العلماء: الإيلاج يوجب الغسل للمولج فيه، سواء كان المولَج عضواً أو غيره، وهو أحد الأوجه في مذهب الشافعية وغيرهم، ومنها: ومسألة المناظير الطبية الموجودة التي تولج من الدبر، فإذا احتاج المريض لكشف مرض جراحي أو للتأكد من وجود قرحة أو القسطرة التي تكون -مثلاً- في الإحليل، فقال بعض العلماء: إيلاج أي شيء في الفرج سواءً كان مخلوقاً حياً أو كان غير حيّ كالآلات الحديديّة الموجودة الآن من مناظير ونحوها يوجب الغسل، فيتفرّع على هذا لو سأل سائل عن إدخال المناظير أيوجب الغسل أم لا؟ فحينئذٍ نقول على هذا القول: يجب عليه أن يغتسل، والصحيح: أنه لا يجب الغسل بإيلاج غير الأعضاء المعتبرة.
قال رحمه الله: [ولو من بهيمة أو ميت].
أي: لو وقع الإيلاج في بهيمة أو ميت.