بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الطلاق] كتاب الطلاق من الكتب المهمة في الفقه، وهو مما تعم به البلوى، وقد جعل الله الطلاق مُوجباً لحل قيد النكاح ورفع عِصمته، وبَيَّن أحكام الطلاق في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل من حِكمته وكمال عِلمه سبحانه وتعالى، جَعَل الطلاق حلاً للمشاكل، وقطعاً للنزاعات ودفعاً لمفاسد الخصومات.
وفي هذا الطلاق مصالح عظيمة مع كونه يَشتمل على الضرر والفُرقة بين الزوجين؛ لكنه يشتمل على مصالح إذا وقع في موقعه، وراعى فيه الزوج ما ينبغي عليه مراعاته في مثله من مثله.
وكتاب الطلاق يجعله العلماء -رحمهم الله- بعد مسائل النكاح؛ لأن الطلاق يوجب رفع العصمة، والمناسبة بين كتاب الطلاق وباب الخلع الذي انتهى منه المصنف واضحةٌ ظاهرة، وقد سبق وأن ذكرنا أن الحنابلة رحمهم الله يُقدِّمون باب الخلع على باب الطلاق، وبعض العلماء يُؤَخِّر الخلع عن الطلاق ويجعل الخلع بعد الطلاق.
وأما في الاصطلاح: فهو حل قيد النكاح بلفظٍ مخصوص، وقيل: رفع قيد النكاح بلفظٍ مخصوص، وهذا اللفظ المخصوص سيأتي أنه صريح لفظ الطلاق أو كنايته بالنية المعتبرة.
وقد شرع الطلاق بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما دليل الكتاب: فآياتٌ منها قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة:٢٢٩]، وقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}[الأحزاب:٤٩]، وقوله سبحانه وتعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:٢٣٠]، إلى غير ذلك من الآيات التي دلَّت على مشروعية الطلاق.
وكذلك ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلاق كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حينما طلَّق امرأته وهي حائض، فقال صلى الله عليه وسلم:(مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق).
وكذلك أجمعت الأمة على مشروعية الطلاق، وأنه مباحٌ وجائز على تفصيلٍ بين العلماء رحمهم الله.