قال المصنف رحمه الله:[وإن أقر رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده؛ لحق به ولو بعد موت اللقيط] هذه مسألة ادعاء اللقيط، إذا ادعى اللقيطَ شخصٌ، وقال: هذا ولدي، فإن كان مسلماً، فإننا نحكم بإقراره، ويضم هذا الولد إليه ويحكم به ما دام أنه ليس له منازع، لكن بشرط أن يكون هذا الشخص يتأتى من مثله أن يولد له هذا اللقيط، وإذا كان لا يتأتى من مثله أن يولد له، فقد قام الحس على تكذيب دعواه، والدعوى إذا كذبها الحس الصادق، فإننا نحكم بسقوطها، فلو أن رجلاً في الثلاثين من عمره ادعى أنه والد اللقيط الذي لا يعرف والده، وقد بلغ اللقيط خمساً وعشرين سنة، فهذا دعاء كاذب؛ لأنه لا يمكن للشخص أن يولد له وعمره خمس سنوات، فالحس يكذب هذه الدعوى فتسقط.
إذاً: يشترط إذا كان مسلماً أن يتأتى من مثله أن يولد له هذا اللقيط، فإذا لم يتأت من مثله أن يولد له، فحينئذ لا يحكم بكونه ولداً له.
وقوله:(أو امرأة ذات زوج مسلم) أي: فيصبح في هذه الحالة أبواه مسلمين، فلو ادعت وقالت: هذا الولد ولده، فإننا نصدق المرأة؛ لأنه ربما هي التي فرطت في الولد، أو ضاع منها الولد، ونصدق الرجل؛ لأنه إذا أقر على نفسه، فمعناه: أنه سيقر على نفسه بهذا الولد، ويتحمل تبعة نسبته إليه، وفي الأصل أننا نصدق إقراره حتى يدل الدليل على كذبه في الإقرار، فما عندنا دليل على كذب الرجل ولا كذب المرأة، فنحكم بكونه ولداً لهذا الرجل وولداً لهذه المرأة.
وقوله:(أو كافر أنه ولده)، أي: تقول المرأة: هذا ولدي من فلان النصراني حينما كنت على النصرانية، فهي كانت ذات زوج كافر، ثم أسلمت وادعت هذا اللقيط، فحينئذ يضم اللقيط إليها.
وقوله:(لحق به) كما ذكرنا.
وقوله:(ولو بعد موت اللقيط)، فيه خلاف، فبعض العلماء يرى: أن الدعوى تصح ما دام حياً، لكن بعد موته لا يحكم بهذه الدعوى، وأشار المصنف رحمه الله إلى ذلك بقوله:(ولو بعد موته)، والصحيح أنه يقبل إقرار كل منهما، في حال حياة اللقيط، وبعد موته، لكن إذا ادعى بعد الموت أنه ولده، فهناك تهمة هي أنه سيأخذ الميراث، وخاصة إذا كان له ابن، فحينئذ يكون الإقرار فيه شبهة جر المنفعة، والإقرار إذا دخلته التهمة يكون ضعيفاً؛ لأن التهمة تسقط الشهادة وتسقط الإقرار، فالإقرار بليغ وحجة لكن وجود التهمة فيه توجب ضعف العمل به، وبعض العلماء طعن في الإقرار بعد الموت؛ لأن كونه يسكت في حياته كلها، ثم بعد موته عندما أصبح لا عبء فيه ولا كلفة ولا عناء فيه، بل سيرثه، يأتي يدعي أنهولده، فيصبح هذا الأمر موجباً للتهمة في صدقه.