[الشروط المنبغي توافرها في الشهود]
الشرط الأول: الإسلام؛ لأن الإسلام سلامة واستقامة على دين الله ومنهج الله، (فالمسلم -كما قال صلى الله عليه وسلم- من سلم المسلمون من يده ولسانه)، بمعنى أنه لا يظلم، فالإسلام شرط معتبر لقبول شهادة الشاهد على المسلم، فلا يشهد على مسلم إلا مسلم، فلا تقبل شهادة الكافر، سواءً كان ذمياً، أو كان وثنياً، أو كان مشركاً، أو كان ملحداً لا دينياً، أو كان مرتداً، فهؤلاء لا تقبل شهادتهم؛ لأن الكافر عدو للمسلم، والعدو تحمله العداوة على الأذية والكذب والضرر، وبعض الناس يرضى ديانة أن يؤذي من عاداه في الدين، ولذلك قالوا: عداوة الدين أعظم ضرراً من عداوة الدنيا؛ لأن عداوة الدين تأتي عن عقيدة، فقد يشهد اليهودي والنصراني والملحد والشيوعي والوثني على المسلم زوراً؛ لأنه يحب له الضرر، بل ربما يدعي أنه يتقرب إلى الله بأذيته.
إذاً: لابد من الإسلام، ولا تقبل شهادة الكافر على المسلم؛ لأن هذا علو على المسلم، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:١٤١]، ولو قبلنا شهادة الكافر بالزنا على المسلم؛ فقد جعلنا للكافر على المسلم سبيلاً، والآية خبر بمعنى الإنشاء، وقد بين تعالى عداوتهم بقوله: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء:١٠١]، فهذه الآيات كلها تدل -بشهادة الله عز وجل- أن الكافر لا تقبل شهادته، إلا ما استثناه الله عز وجل في مسألة واحدة تقبل فيها شهادة الكافر على المسلم، وهي: الشهادة على وصية المسافر المسلم إذا لم يجد أحداً من المسلمين يشهد على وصيته، وبشروط معينة: أن يكونوا من أهل الكتاب، وأن يشهدوا شهادة الحق على الصفة التي بينتها آية المائدة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانها.
إذا ثبت هذا، فالأصل أنه لابد أن يكون الشاهد مسلماً، لكن تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض، وهذا في مسألة أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا، وقد وقع هذا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما زنى اليهوديان ورفعت القضية إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فدعا ابن صوريا وسأله فقال: نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رءوه.
الحديث، (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالشهود فشهدوا)، فهذا يدل على أنه تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض، وهل هذا يختص باتحاد الملة أم نقبل شهادة الكفار إذا اختلفت مللهم؟ هذا فيه تفصيل سيأتي إن شاء الله في باب الشهادات.
الشرط الثاني: العقل، فلا تقبل شهادة المجنون بالزنا؛ لأن المجنون مرفوع عنه القلم كما قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: المجنون حتى يفيق)، ولأن المجنون لا يوثق بقوله، ولا يوثق بخبره، فسقط اعتبار شهادته؛ ولأن المجنون لا يتكلم عن علم، والأصل في الشهادة أن تكون عن علم.
الشرط الثالث: أن يكون بالغاً، فلا تقبل شهادة الصبي، فلو شهد الصبي -مميزاً كان أو غير مميز- لا تقبل شهادته؛ لأنه في حكم المجنون، وليس عنده عقل يردعه ويمنعه؛ ولأنه مرفوع القلم ولا يؤاخذ، فيمكن منه الكذب لذلك.
الشرط الرابع: أن يكون عدلاً، فلا تقبل شهادة الفاسق، ولذلك قال الله تعالى فيمن فسق بالقول: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور:٤]، فالفاسق ساقط القول، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦]، ونبأ نكرة، أي نبأ وأي خبر {فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦]، فلو كان الفاسق مقبول القول والشهادة لما توقفنا في قبول خبره، فأمرنا الله أن ننتظر حتى نعلم صدقه من كذبه، فدل على أن قوله المجرد ليس بحجة، وأن شهادته ليست موجبة للحكم، والفاسق لا يوصف بالفسق إلا إذا أخل بما يجب، فإذا عُلم منه الإخلال في حق الله وحق عباده؛ لم يؤمن منه أن يخل في شهادته، ومن هو العدل؟ العدل من يجتنب الكبائر ويتقي في الأغلب الصغائر فلا تقبل شهادة الفساق سواءً كان فسقهم من جهة الاعتقاد أو من جهة الجوارح أو من جهة الأقوال.
الشرط الخامس: أن يكون معروفاً بالضبط وعدم الغفلة، فالمغفل قد يظن شيئاً ويتوهم شيئاً ويشهد به، وخفيف الضبط قد ينسى أشياء تضر بشهادته مع الغير؛ لأن الشهود على الزنا قد يُسألون عن أشياء مهمة، فمن حق القاضي إذا شهدوا عنده أن يسألهم عن أشياء يعرف بها صدقهم من كذبهم، فمثلاً لو قال: في أي ثوب رأيته يزني؟ فلربما قال الثلاثة الشهود، مثلاً: كان ثوبه أبيض أو رأيناه بقميص، فإذا كانت عنده غفلة حرف شهادته وغير في الشهادة ووهم، فيضر بنفسه ويضر بغيره، وخفيف الضبط ليس عنده علم يوثق به، والله تعالى يقول في الشاهد المقبول الشهادة: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:٨١]، فهي شهادة عن علم، وخفيف الضبط لا يعلم علماً تاماً؛ لأنه لا يضبط ضبطاً تاماً.
الشرط السادس: ألا يكون عدواً للمشهود عليه، فإذا ثبت أن أحد الشهود الذين شهدوا على المتهم بالزنا بينه وبين المتهم خصومة، أو عداوة قديمة، أو بينه وبينه ثارات، أو بين بيته وبيته ثارات، أو بين أسرته وأسرته ثارات، ويغلب على الظن أنها تحمل على الضرر والأذية؛ فإنها لا تقبل الشهادة في هذه الحالة، قال صلى الله عليه وسلم -كما في حديث الحاكم وصححه غير واحد-: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين)، الخصم معروف من الخصومة، والضنين هو المتهم كما قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:٢٤] أي: بمتهم، فالضنين هو المتهم على أحد الأقوال في تفسير الآية، فالشاهد أن الحديث أسقط شهادة الخصوم بعضهم على بعض؛ لأن العداوة تحمل على الحقد والأذية والضرر، ولذلك لا تقبل شهادة الأعداء، فإذا ثبت أن أحد الشهود أو كل الشهود بينهم وبين المتهم عداوة؛ فإنها لا تقبل شهادتهم عليه.
قد نتعرض -إن شاء الله في باب الشهادات- لشهادة الديانة، وذلك إذا اختلفت الطوائف وكانت هناك عداوة بينها؛ فهل تقبل شهادة بعضهم على بعض؟ هذا فيه تفصيل عند أهل العلم رحمهم الله.