للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: سجود السهو جميعه زيادةً ونقصاً واجب.
وهذا قول الحنفية والحنابلة رحمة الله على الجميع، وبناءً على ذلك لو أن المكلف زاد في الصلاة أو نقص منها، وتذكَّر أنه زاد أو نقص فلم يسجد للسهو فإنه يُحكم ببطلان صلاته إذا تركه متعمداً، فعند أصحاب هذا القول أنه واجب من واجبات الصلاة، فلو قلت للإمام: إنك زدت.
فقال: علمت أني زائد.
فقلت له: اسجد للسهو.
فقال: لا أريد أن أسجد.
وتركه متعمداً بطلت صلاته وصلاة من صلى وراءه لتركه متعمداً.
القول الثاني: سجود السهو سنَّة، وبه قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه، فعنده إن فعل فقد أحسن، وإلا فإن الصلاة يُحكم بصحتها والاعتداد بها.
القول الثالث: التفصيل، وهو مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمة الله عليه، قال: إن كان السجود سجود نقص فواجب؛ لأنه يجبر نقصاناً في الصلاة فكأنه من الصلاة، فحل محل الواجب من الصلاة، وإن كان السجود لزيادة فسنة، ولا يحكم ببطلان صلاة المكلف؛ لأنه قد جاء بالصلاة كاملة.
والصحيح أن سجود السهو واجب، وذلك لما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)، فإن أمره بالسجود يدل على الوجوب، وفي الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا، فقالوا: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً.
فثنى رجليه وسجد سجدتين ... )، ثم ذكر الحديث وفيه:(فليسجد سجدتين قبل أن يسلم).
فهذه أوامر، والقاعدة في الأصول أن الأمر للوجوب حتى يدل الدليل على صرفه.
فلما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسجد سجدتي السهو دلّ ذلك على وجوبها ولزومها، وأنه إذا تَركها المكلَّف فقد ترك الواجب، وحكمه حكم تارك الواجب سواءً بسواء.
وإذا قلنا بالوجوب وأنه هو الصحيح، فإنه لو أن إنساناً صلَّى ونسِي واجباً من واجبات الصلاة، ثم سلَّم وقام من مصلاه وهو في المسجد إلى حلقة علم، أو قام إلى موضع ثانٍ، وتذكَّر بعد قيامه فعلى القول بالوجوب يلزمه أن يستقبل القبلة وأن يكبر ويسجد، وذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث عبد الله بن مسعود قال:(فثنى رجليه وسجد سجدتين) الحديث، فإنه عليه الصلاة والسلام تداركه حين كان في المسجد، فلذلك إذا تذكر السجديتن وهو في المسجد يقضي، وهكذا لو كان في بيته في مكان الصلاة، أما لو خرج من المسجد وتذكَّر بعد خروجه فإنه لا يُلزَم بالرجوع، وقد مضت صلاته وصحَّت، وتسقط عنه السجدتان لمكان العذر؛ لأن المكان قد فارقه المكلف، ولا يمكن بمفارقته التدارك فتصح صلاته وتجزيه.