قال:[والرُّشد في العقد] الرُّشد يستخدم لمعانٍ، فعندنا رشد الدين وعندنا رشد الدنيا، أما رشد الدين فمنه قوله تعالى:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}[البقرة:٢٥٦] فالرُّشد هنا: الإسلام والهداية، وضده الغيِّ الذي هو الكفر، ويطلق الرُّشد بمعنى صلاح النظر في الدنيا، تقول: فلان رشيد، إذا كان يحسن التجارة ويحسن الأخذ لنفسه والإعطاء لغيره، مثل الشخص الذي يحسن البيع فإنه يعلم كيف يبيع ويشتري، فإذا أحسن النظر في أمواله قالوا: فلان رشيد.
ومنه قوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}[النساء:٦]، قوله:(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) يعني: إحساناً للتصرف في المال، وهذا هو النوع الثاني من الرُّشد.
هناك نوع ثالث من الرُّشد، وهو رشد الولاية في النكاح، ورشد الولاية في النكاح أن يحسن الولي النظر لموليته، فيكون إنساناً عاقلاً يعرف الرجال ولا يخدع، ولا يكون ساذجاً يضحك عليه أو فيه غفلة أو تسرع في الأمور، كل من جاءه يقول له: زوجني بنتك يقول: زوجتك، فبعض الناس عنده نوع من الغفلة والتسرع، يعني لو كنا في مجلس وجاء رجل لأول مرة وقال لشخص: يا فلان! إني أحبك، قال: وأنا أحبك، قال: زوجني بنتك قال: زوجتك بنتي، هذا ليس من الرُّشد وليس من العقل.
ومن هنا ندرك أن الشريعة ما جعلت الولاية للرجال يتصرفون فيها كيف شاءوا، فالولاية على النساء من الرجال مبنية على خوف من الله عز وجل وتقوى وورع، وإنصاف وعدل، وبحث عن مصالح وبحث عن كيفية الخروج من الموقف بين يدي الله عز وجل، يقول له: لمن زوجت بنتك؟ ولمن زوجت أختك؟ فيقول: لفلان الذي يُرضى في دينه وخلقه وعقيدته وسلوكه وجميع ما يكون من شئونه وأحواله، هذا هو الرُّشد، فكأنه إذا أحسن النظر للمرأة التي يلي عليها فقد رشد بنفسه ورشد بغيره، وأصاب الرُّشد، يعني: أصاب الحق والصواب والسنن فيما ولاه الله عز وجل وفيما أنيط به من أمانة.