[ما يحرم على المظاهر من زوجته قبل التكفير]
قال رحمه الله: [ويحرم قبل أن يكفّر وطء ودواعيه ممن ظاهر منها].
يحرم على الزوج إذا ظاهر من زوجته أن يطأها قبل أن يكفر بنص القرآن: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣]، فألزم الله الكفارة قبل حصول المسيس، وهو كناية عن الجماع.
وقال بعض العلماء: يدخل في حكم الوطء مقدمات الوطء، ومن أهل العلم من خص الحكم بالوطء نفسه، والخلاف في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] هل المراد بقوله تعالى: {أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] الجماع أم لا؟ لأن الله عبر بالمس عن الجماع فقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة:٢٣٧]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩] فيعبر بالمسيس عن الجماع.
ولذلك قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيره للقرآن: (إن الله يكني).
وإذا ثبت هذا فمذهب طائفة من العلماء أن قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] المراد به: من قبل أن يقع الجماع.
وحينئذٍ لم يحرموا مقدمات الجماع، فيحلون للرجل المظاهر من زوجته أن يستمتع بالتقبيل والمباشرة فيما دون الفرج، وقالوا: لا حرج عليه ولا بأس.
والذين منعوا قالوا: إن قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] يراد به الوطء وفي حكم الوطء مقدماته؛ لأن ما منع من الوطء، يمنع من مقدماته كالإحرام؛ فإن الإحرام كما يمنع الوطء يمنع من مقدماته من المباشرة ونحوها، وكذلك الاعتكاف يمنع من الوطء ويمنع من مقدمات الوطء بالنسبة للصائم.
فإذا ثبت هذا قالوا: إن الحكم يبقى على الجماع ومقدمات الجماع، فلا يجوز له أن يستمتع بالمرأة بما يدعوه إلى وطئها، والآية محتملة.
إلا أن بعض العلماء رجح القول الذي اختاره المصنف من جهة قوله: أنتِ عليّ كظهر أمي، فقال: إنه قصد التحريم، بدليل أنه لو قال لها: أنتِ عليّ كأمي كان ظهاراً، والأم لا يجوز تقبيلها، ولا يجوز الاستمتاع بها مما دون الفرج، وقد وصفها بهذا الوصف، فحرمها تحريماً يشمل الجماع ويشمل مقدماته، فرد الأولون وقالوا: هذا حجة لنا لا حجة علينا؛ لأنه ما سمي ظهاراً إلا لقوله: أنتِ عليّ كظهر، والظهر كني به عن الركوب والجماع، فبناءً على ذلك يختص بالجماع.
وكلا القولين له وجهه، ومن قال بالدواعي يستدل بأن الشرع يحرم الوطء -كما ذكرنا- ويقصد من تحريمه تحريم كل ما يدعو إليه، ولأن ما يدعو إلى الشيء يغري بالشيء، وما يدعو سيوقع في الشيء.
وبناءً على ذلك قالوا: نحرم عليه الوطء ودواعيه، كما اختاره المصنف رحمه الله.