بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ومن قبلها ثم ردها لم يصح الرد] بيّن المصنف رحمه الله في هذه الجملة أن من وقع منه قبول الوصية، وتم هذا القبول بعد وفاة الموصِي؛ فإنه حينئذٍ لا يصح رده لها، ولا رجوعه عن ذلك القبول، والسبب في ذلك: أنه إذا أَوصَى شخص إلى شخص آخر بوصية، فقبلها على الوجه المعتبر؛ فإن ملكيته تثبت لتلك الوصية.
فلو قال زيدٌ من الناس: أوصيت لعمرٍ بعشرة آلاف، ثم قال عمرو لما أُخبِر أن زيداً توفي وأوصَى له بعشرة آلاف: قبلت، فإذا قال: قبلتُ بعد وفاة الموصي، فقد ثبتت ملكية العشرة آلاف له، فإذا قال بعد ذلك: رجعت عن القبول؛ فقد رجع عما يملك، ورجوع الإنسان عما يملكه لا يُعتد به، فلو أن شخصاً يملك بيتاً فقال: هذا البيت لي، وليس المراد به على وجه الإقرار، وإنما المراد أنه يريد أن يخرج ملكيته عنه لا على وجه الهبة ولا على وجه الصدقة ولكن هكذا، فإنه لا يصح رجوع المالك عن الملكية بعد ثبوتها على الوجه المعتبر.
وحينئذٍ نقول: إن قبولك بعد وفاة الموصِي يُثبتُ ملكيّتك لهذا الشيء الذي وصِّي به إليك، وحينئذٍ إما أن تتصدق به، أو تهبه، أو تتصرف فيه، أما الرجوع فلا يُعتد به، وهذا كما ذكرنا شبه قول جماهير العلماء رحمهم الله، أن الرجوع بعد ثبوت الملكية ليس من حقه.
وهناك من العلماء من قال: له أن يرجع؛ لأن الإنسان حر في نفسه، فله أن يختار في وقتٍ يرى من المصلحة أن يقبل، وله أن يختار الرد في وقتٍ يرى من المصلحة أن يرده.