قال رحمه الله:[ورفع بصره إلى السماء] كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أكمل ما يكون من المكلف في خشوعه وخضوعه وذلته بين يدي الله عز وجل وهو واقفٌ في الصلاة؛ فإن هذا يدل على الإقبال على الله عز وجل، والاشتغال بما في الآيات من العظات والذكرى، فأكمل ما يكون من المكلَّف أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما رفع البصر إلى السماء فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إنكاره، فقال عليه الصلاة والسلام:(ما بال أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم)، ثم شدد فقال عليه الصلاة والسلام:(لينتهنَّ عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم)، وفي رواية لـ مسلم:(أو لا ترجع إليهم)، والعياذ بالله.
وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يصرف بصره إلى السماء، وذلك لأن القاعدة في الأصول تقول:(إذا ورد الوعيد على فعل شيء دل ذلك على أنه محرم)، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يبين أنه سبب لأن تُخطَف الأبصار إن استمروا على ما هم عليه يدل على حرمة رفع البصر إلى السماء.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقلِّب بصره في السماء حتى نزلت آية القبلة، ثم نهي عن ذلك، وقيل: لما نزلت آية المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:١ - ١] رمى ببصره عليه الصلاة والسلام إلى موضع سجوده.
فلا يجوز للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، ويستوي في ذلك أن يكون في موضعٍ له سقف، أو يكون في موضعٍ منكشف السقف، وهذا على أن قوله صلى الله عليه وسلم:(إلى السماء)، أي: إلى العلو، فإنه حينئذٍ يكون المراد به أن لا يرمي ببصره إلى أعلى، ويستوي حينئذٍ كونه مسقوفاً أو غير مسقوف.
وقال بعض العلماء: الحكم يختص بالسماء، أي: عند نظره إلى السماء.
وهذا جمودٌ على ظاهر النص؛ فإننا لو قلنا لهؤلاء: أرأيتم إن كانت السماء مغيمة فإن الحكم واحدٌ عندكم، فالغيم الذي بين المكلفين وبين السماء كالسقف الذي بينهم وبين السماء، ولذلك يستوي أن يكون رفعه للبصر عند وجود الحائل كالسقف، أو يكون بدون حائلٍ كالفضاء.